تونس مهدّدة بجلطة القلب !
بشير العبيدي
#أقولها_وأمضي
استفزّني جدّا بيان أولئك “المثقّفين” التونسيّين الذي نادى موقّعوه بالتصويت بورقة بيضاء. لا لأنّني أنكر على النّاس التصويت بورقة بيضاء، فذلك خيار كلّ فرد وممارسة للحرّية، بل لأنّ الأمر خطير جدّا ويستوجب قول كلمة الحقّ في وقتها.
إنّ الذي حيّرني حقّا، هو أنّ وضوح المشهد الانتخابي للرّئاسيات التونسية، لا يحتمل أبداً – في الأصل – أن نستحثّ النّاس على التصويت لفائدة قيس سعيّد، فذلك أمر بدهيّ عند من أوتي مجرّد رائحة من الوطنيّة، فضلا عن دعوة الناس للوقوف على الربوة والحياد، والبلد يوشك أن يدخل في حائط مع مرشّح يعلن الصّهاينة، جهاراً نهاراً، أنّهم يلتقون به ويدعّمونه؛ في استباحة سافرة ومهينة لشؤون مجتمع ودولة بصدد البحث عن سبل التعافي من آثار ثورة كبرى قلبت الموازين.
إنّ أولئك الذين أصدروا البيان الداعي للتصويت بورقة بيضاء، مثلهم مثل الذين يرفضون المشاركة في التصويت بحجة أو بأخرى، مخطئون على طول الخطّ بموقفهم هذا الذي يصبّ في حوض ناس الفساد والمفسدين ! خصوصا وأنّ المتعلّمين هم قلب المجتمع وحصنه الحصين ! فكيف العمل وهذا “القلب المتعلّم المتعالم مريض ومتهالك” أفرز مفسدين قامت الحجج والبراهين على تهرّبهم الضريبي وتكاثرت الشبهات على تبييضهم للمال الفاسد، وتواترت الأخبار على تهديدهم للأمن القومي!
من أجل ذلك، ومن باب إعلام من يتذرّع بعدم علمه، سأعدّد – فيما يلي – أهمّ الأسباب التي تجعل من التصويت لغير قيس سعيّد أو بورقة بيضاء يوم الأحد 13 أكتوبر 2019 هي مشاركة مباشرة في دعم وتثبيت الفساد والمفسدين وتهديد أمن تونس القومي وتضييع خمس سنوات قادمة أخرى في المهاترات السياسية. كما أقوم ببيان بطلان الحجج التي يتخفّى بها مساندوا المفسدين.
الأمن القومي التونسي مهدّد !
ثبت بالدليل المادي القطعي إبرام عقود أجنبية بين صهاينة معروفين في العالم لدعم مرشّح المافيا، رغم إنكار المعني بالأمر دون دحض الأدلّة الدّامغة، وهو إنكار لا قيمة له بسبب علم هذا المترشّح اليقيني أن التونسيين موقفهم مشرّف تجاه قضية فلسطين ويخاف من الاعتراف الذي سيجعل التونسيين يشطبونه من الخريطة السياسية كما فعلوا مع حزب نداء تونس والجبهة الشعبية. وحين تقرأ أيها المتعلّم أن مرشّحا للرئاسة التونسية متعاقد مع صهاينة معروفين لأجل الضغط وإيصال هذا المرشّح لسدّة الرئاسة فاعلم أن تصويتك بورقة بيضاء أو تصويتك لفائدته يعني أنّ أمنك وأمن بلدك المهدّد لا يعنيك، وإن كان أمن وطنك لا يعنيك فماذا تعني لك المواطنة أصلا ولماذا تشارك في الشأن العام؟؟؟ يمكن لكلّ راغب أن يقرأ في الشبكة كلّ المعلومات واعترافات الصهاينة التي تثبت تورّط مرشّح المافيا في التخابر الأجنبي من أجل الوصول إلى السلطة، فكيف سيقسم هذا المترشّح على القرآن أنه سيحمي استقلال البلاد وهو أصلا يعمل أعداء العرب والمسلمين على إيصاله لسدّة الحكم بالحيلة؟ وفِي الأصل هذه النقطة كافية شافية لا تحتاج فلسفة معقّدة لفهمها لو كانت مجرّد رائحة لشبهة، فكيف والأمر موثّق بالصوت والصورة والتواقيع؟!
الرئيس قدوة، وليس صعلوكاً !
مترشّح المافيا متهرّب ضريبي منذ سنوات، استباح أموال الدولة، ورفض إرجاع أموال تعود إلى الشعب. فكيف لعاقل أن يقف على الحياد أو ينتخب رئيسا تمّ إخراجه عنوة من قبضة القضاء عبر الضغوط الداخلية والأجنبية؟ كيف يكون هذا الرئيس مثالا يحتذى؟ وكيف سيحارب هذا الرئيس المتهرّبين الضريبيين وهو واحد منهم؟! ومن سيجبره على الخضوع للقضاء مجددا وهو في حصانة الرّئاسة؟ كيف يمكن انتخاب صعلوك يهدّد في تسريبات رسمية – اعترف بها – يقول فيها أنه عمل قناة تلفزية من أجل أن يحكم التونسيين ويحرمهم من الحرية التي حصلوا عليها؟! هل يقبل عاقل بانتخاب صعلوك لا يحسن حتى قراءة جملة باللغة الرسمية لتونس؟!
المساعدة لوجه الله وليست رشوة للفقراء
من حقّ كلّ مترشّح للرّئاسة أن يقوم بالدعاية لنفسه عن طريق الإقناع بالحجج والبرامج والرؤى التي يتبناها. أما استغلال معاناة الفقراء والترويج لهم أن المساعدة هي من أجل الترحّم على نجله الذي توفي في حادث سير، وعمل جمعية اسمها (يرحم خليل)، لمساعدة الفقراء واستجلاب الرحمة للإبن، ثم يتبيّن فيما بعد أن طلب الرحمة هو في الحقيقة طلب أصوات الناخبين، فهذه رشوة مباشرة وفضيحة أخلاقية بكل المقاييس، تجعل من كلّ مواطن واعٍ يصوّت لفائدة قيس سعيّد دون تردّد. ولقد تردّدت أخبار حول ديون ثقيلة متخلّدة بذمّة هذا المترشّح لصالح شركات صناعة المعكرونة والعجائن، وهذا يعني أنه كان يسلّم ما ليس له للفقراء باسمه، كما أنه استغلّ هبّة الناس لتقديم يد العون للفقراء، إذ تصرّف الناس بشكل تلقائي وسلّموا له البضائع، فقام بتحويل وجهتها الخيرية إلى استغلال سياسي فاحش، لا يقبله صاحب نفس أمينة وحسّ مواطنيّ مرهف.
الماكينة الإعلامية للمترشّح الصعلوك خرقت كل القوانين وأخلاقيات المهنة.
الماكينة الإعلامية الرهيبة التي تمثّلها محطات تلفزية قد قامت بالترويج لهذا المترشّح الذي يمثّل خطرا على تونس وثورتها. فعلى مدى سنوات بكاملها تمّ خرق واضح لكلّ القوانين الإعلامية المعمول بها وأصدرت الهيئة المستقلة للإعلام السمعي البصري بلاغات وأنزلت عقوبات بعشرات الملايين ضد قنوات تدعم هذا المترشّح الذي لا يحترم تكافئ الفرص إطلاقا ولا يعترف بالقوانين والنظم المعمول بها. نعم، يتحمّل الحاكمون في العهدة الانتخابية السابقة مسؤولية ترك هذا الشخص يتصرّف خارج القانون، ولقد عاقبهم الناخبون شرّ عقاب وكان حزب نداء تونس قص حصد تسعا وثمانين مقعدا في مجلس النواب السابق، ولم يحصل في المجلس الجديد إلا على مقعد واحد أو مقعدين، وهذا دليل على وعي التونسيين بأنّ انتخاب نداء تونس والمنظومة السابقة كان ضياعا لوقت تونس.
مستوى المترشّح الأخلاقي ضحل وخطابه سوقي بذيئ لا يمكن أن يمثّل تونس
توجد تسريبات مسجّلة وموجودة على الشبكة العنكبوتية، يمكن لأي مواطن أن يسمعها لكي يطّلع بنفسه عن الانحطاط – غير المسبوق – في الخطاب لغويا ومضمونيا. لقد استمعت لكلّ هذه التسريبات الخطيرة التي تمّ تسجيلها في جلسات مغلقة، وصدمتُ بالسقوط اللغوي عبر قيام هذا المترشّح العجيب بسب الجلالة بشكل فضيع، وسبّ الدين، وإطلاق الكلام الموغل في البذاءة والرداءة والدناءة، ونعت خصومه بأبشع النعوت. ثمّ أن المترشّح له علاقة خارجة عن إطار الزواج – وهذا شأنه – لكن له طفل مولود خارج الزواج في بلد تونسي يمنع تعدد الزوجات. فكيف يمكن أن يعطي الرئيس القدوة والمثال وهو على هذه الحال؟ بل كيف يمكن الوقوف على الحياد أو الامتناع عن التصويت لمثل هذا المترشّح؟ هل يعقل هذا؟
عدالة الفقراء وعدالة الأغنياء
عمليّة إخراج ها المترشّح من السّجن، وربما إدخاله أصلا، جعلت كلّ حرّ أبي في حيرة من أمره، لأنه يرى معاملة فارقة واختلافا بيّنا بين معاملة الفقراء ومعاملة الأغنياء ! فَلَو افترضنا أن القبض على هذا المتحيّل المتهم بتبييض الأموال الفاسدة كان عملا جريئاً، ولو افترضنا أن إطلاق سراحه كان معبّرا عن استقلال القرار القضائي، فهذا وحده كاف شاف لكيْ يدلّ بما لا يرقى إليه الشكّ أنّ العدالة في هذا البلد التونسي هي عدالتان متوازيتان: عدالة للفقراء وعدالة للأغنياء. والدليل، أن صغار المتهرّبين من دفع الضريبة لا يعاملون هذه المعاملة، والمشبوه فيهم من أجل للتخابر مع جهات معادية من صغار الناس يتعرّضون لتطبيق قانون الإرهاب ولا يطلق سراحهم أبدا. هذا إذا افترضنا استقلالية القرار القضائي وحده، فكيف لو ثبت أن إدخال هذا المتهرّب وإطلاق سراحه تمّ بحيلة ومجر مدبّر بليل؟؟؟
إن جميع التونسيين يتعلّمون في مدارسهم النشيد الوطني الذي جاء فيه :
فلا عاش في تونس من خانها
ولا عاش من ليس من جندها !
ومن قرأ النصّ المكتوب أعلاه، ولم يشعر بأنّنا حيال خطر جلطة في قلب الوطن التونسي عن طريق خيانة بلد بكامله، عن طريق تركه مباحاً تنهشه قوى الفساد دون رادع، بتعلّة أن قيس سعيّد ليس واضحاً، فالواضح جدا وضوح الشمس في كبد السماء هو أن الحياد والامتناع عن التصويت في هذه الحالة، إن لم يكن خيانة للوطن، فوالله لا أدري – ولن أدري – ما هي الخيانة أصلاً !
✍🏽 #بشير_العبيدي | باريس، صفر 1441 | كَلِمةٌ تَدْفَعُ ألَمًا وكَلِمةٌ تَالاللاصْنَعُ أمَلًا |