عن اتحاد الشغل.. بصراحـــــة
نور الدين الغيلوفي
تدوينة غير ديبلوماسيّة ولا مدفوعة الثمن، لم أستشر فيها الجهات الميتافيزيقيّة العليا التي تملي عليّ ما يكتبه قلمي..
•••
يترسّخ لديّ اليقين بأنّ الاتّحاد العام التونسيّ للشغل لا يمكنه، بقياداته الحاليّة، أن يكون جزءا من حلّ لأيّ مشكل من مشاكل البلاد… بل هو، في فهمي، من عناصر المشاكل المزمنة التي تعاني منها بلادنا، والقرائن على كذلك عديدة…
في تصوّري، كان المخلوع يحكم البلاد عبر واجهتين: واجهة سياسيّة كان يمثّلها التجمّع الدستوريّ الديمقراطيّ.. وواجهة نقابيّة هي اتّحاد الشغل بعد أن نجح في ترويض قياداته وتقريبهم إليه واستدراجهم إلى الفساد لمزيد ابتزازهم…
الثورة حلّت التجمّع، وأبقت على الاتّحاد لأنّ القيادات الجهوية والنقابيين الخُلَّص كانوا سندا للثورة بل رافعة لها.. وكانوا شفيعا للبيروقراطية لدى جماهير الشعب الغاضبة قبل أن تظهر الأحزاب السياسيّة على الساحة…
لقد كان بقاء البيروقراطيّة النقابية أكبر عنصر لحق البلادَ منه ضررٌ طيلة سنوات الثورة الجارية.. ظلّ هؤلاء، رغم ما فعلوه في العهد النوفمبريّ من مشاركة في الجرائم، خارج القانون وفوق المحاسبة.. بل أمعنوا في الغطرسة والتغطية على الفاسدين.. حتّى صاروا يتحكّمون في المشهد السياسيّ بكلّ صلفٍ.. وما يسري على المواطنين والمنظّمات والمؤسّسات والأحزاب من قوانين لا يسري عليهم… كأنّهم من صنف الآلهة…
من الصعب أن تتقدّم أيّ جهة سياسيّة بالبلاد في ظلّ تسيّب البيروقراطيّة النقابيّة وتسلّطها وتعاليها على القانون.. فهم الذين يسمحون ولا يسمحون.. يقبلون ولا يقبلون.. يريدون ولا يريدون.. تحت عنوان “المنظّمة العريقة” وشاشية الشهيد حشّاد وعبارته الشهيرة “أحبّك يا شعب”.. وأنت، متى توجّهت إليهم بأيّ نقد، فأنت مشبوه ومتآمر ومكلَّف بمهمّة لمحاربة المنظّمة العريقة التي تمسك السماوات أن تزول أو تسقط علينا كِسفا.. فهم الاتّحاد ومن ينقدهم هم فهو بالضرورة عدوّ للاتّحاد.. لدود…
فهل رأيتم مجالا لم يحشروا فيه أنوفهم؟
هل رأيتم أحدهم خضع لقانون من قوانين البلاد المرعيّة؟
إنّه لن يصلح أمر البلاد إلّا بـ :
- عودة جيش الاتّحاد إلى ثكناته وسحب مدرّعاته من الفضاء السياسي ومغادرة الإعلام لأنّ أغلب قياداته مثيرون للقرف لا يحسنون تفكيرا ولا يتقنون تعبيرا.. وكلّما تكلّم أحد منهم شحن النفوس وزاد من صبّ الزيت على النار…
- مسارعة الحكومة المقبلة باستصدار قوانين تسمح بالتعدّدية النقابية.. بالتعدّدية سيلزم النقابيّ نقابيّته ولن يحشر أنفه في ما لا يعنيه… التعدّد جميل في كلّ مجال فلماذا نستقبحه في المجال النقابيّ؟
- تخلّي الحكومة عن الاقتطاع الآلي لفائدة الاتّحاد وترك الأمر لجهود النقابيين يقنعون بأنفسهم الكادحين بالانخراط في المنظّمة.. أنا أفهم الاقتطاع الآلي لصالح الاتّحاد رشوة كان بن علي يقدّمها للبيروقراطية حتّى تزيد فحشا في ثرائها وتكون دوما في بيت طاعته.
- تحريك الملفّات المحفوظة في الأدراج.. تلك التي بها شُبَه فساد تتعلّق ببعض القيادات النقابيّة.. احتراما للعقول وترسيخا للقانون وصوْنا للبلاد وتحقيقا لأهداف الثورة.
هل يُصْلِحُ مَن لا يَصلُحُ ؟
مع تقديرنا لفرحات حشّاد وفخرنا بمحمّد علي الحامّي وإشادتنا بأحمد التليلي…
نقول:
البيروقراطيّة النقابيّة الراهنة التي:
- وقفت ضدّ الشعب التونسي إلى جانب المخلوع وكانت سببا رئيسا في طول عمر نظامه الذي امتدّ ربع قرن من الزمان…
- ساندت المخلوع وجعلت من صحيفة الشعب لسانا ناطقًا له داعيا إلى معيّته لرفع تحدّياته وإتمام برامجه ومواصلة إنجازاته الإعجازيّة…
- واجهت الشعب عند ثورته دفاعا عن رئيس النظام الذي صار وليّ نعمتها حتّى آخر رمق من عمر نظامه…
- حالت دون إنفاذ العدالة دفاعا عن كبيرها الذي علّمها السحر عبد السلام جراد…
- أربكت البلاد بإضرابات متناسلة، منذ 2011، لم تنفّذ عُشْرَها طوال عمر دولة الاستقلال…
- جعلت من النقابيين بانديّة يحظون بامتيازات، لا على إنجازهم، ولكن على مجرّد صفاتهم النقابيّة وصفقاتهم الخفيّة…
- قتلت قيمة العمل وجفّفت جميع منابع الإنتاج حتّى اشتعلت الأسعار وصار المواطن التونسيّ مهدَّدا بشبح الجوع…
- هشّمت المرفق التربويّ حتّى صارت البلاد مهدَّدة بالجهل…
- دمّرت المرفق الصحّي حتّى عجز المواطن المسحوق عن حبّة الدواء ومات المواليد قبل أن يروا النور…
•••
لا ينبغي أن تنتصب للنصح وتدّعيَ قيادة الحوار الوطنيّ وتزعم تقديم العلاج…