مشاجرة أم اغتيال.. من قتل الحارس الشّخصي للملك سلمان؟
فتحي الشوك
أيّام قليلة قبل الذّكرى الأولى لعمليّة الاغتيال الجبانة الّتي طالت الصّحفي الأستاذ جمال خاشجي، تلك الجريمة الفظيعة البشعة المصنّفة الأغبى في التّاريخ والّتي ما زال المسؤولون الحقيقيون عنها لم ينالوا جزاء ما اقترفت أيديهم، تقع جريمة أخرى كان ضحيّتها الحارس الشّخصي للملك سلمان بن عبد العزيز اللّواء عبد العزيز بن بداح الفغم.
جريمة يبدو أنّ المنفّذ قد تمرّس واكتسب بعض الخبرة ليتطوّر أداؤه نسبيّا في الأسلوب والإخراج بيد أنّ تلك المجهودات لم تقدر على نفي الشّبهات ومحو بصمات المستفيد، وبالمصادفة فإنّ عمليّة التّصفيّة هذه تمّت يومين بعد عمليّة اغتيال للحارس الشّخصي لوزير الدّفاع المصري الرّائد طارق أحمد زهير في ظلّ ما تعيشه مصر من حراك هذه الأيّام. فهل توجد خيوط ربط بين العمليّتين وهل ما يحاك ويدبّر هو نتيجة لتعليمات صادرة من غرفة عمليّات واحدة؟
خاشقجي 2 بنسخة مغايرة
لحظات فور وقوع الجريمة غرّد الذّباب الالكتروني معلنا عن الخبر بتفاصيله الدّقيقة قبل صدور أيّة رواية رسميّة عن الحادثة إذ كانوا يصفونه وكأنّهم ينقلونه مباشرة للجمهور! تقول الرّواية السّعودية الرّسميّة أنّ الجريمة وقعت مساء السّبت 28 سبتمبر الجاري حيث كان اللّواء عبد العزيز بن بدح الفغم في زيارة لصديقه تركي بن عبد العزيز السّبتي بمنزله في حيّ الشّاطئ بجدّة عندما دخل عليهما المنزل ممدوح بن مشعل آل علي، ليدور نقاش بين هذا الأخير والفغم فيتطوّر ويحتدّ ليخرج على إثره ممدوح من المنزل ويعود وبحوزته سلاح ناري ويطيح بالفغر صريعا يتخبّط في دمائه، لتتدخّل قوّات الأمن فتقتل الجاني وتصيب تركي بن عبد العزيز السّبتي وجيفري دالفينوس سابوزينغ (فيليبيني الجنسية) ويتمّ نقل اللّواء الفغم إلى المستشفى حيث توفّي، مع إصابة خمسة أفراد من قوّات الأمن نتيجة لإطلاق النّار العشوائي من قبل الجاني.
هو حوار إذا احتدّ وتطوّر إلى مشاجرة كتلك الّتي حصلت في قنصليّة اسطنبول بين الموظّفين والأستاذ خاشقجي ليخنق ويقطّع جسده إربا وتختفي جثّته إلى يومنا هذا، ولعلّ التطوّر الحاصل في الواقعة الحالية يتمثّل في عدم إنكار وقوعها منذ البداية وعدم إخفائهم للجثّة، قتل القاتل والقتيل ومن المنتظر أن يقع التخلّص من باقي الشّهود في القريب العاجل، تطوّر ملحوظ في العقل الإجرامي للمنفّذين لا بدّ من التّنويه به وجهد يذكر فيشكر!
وكما في رواية الجريمة الأولى الّتي شهدت تغيّرات سريعة تحت الضّغط والإكراه، لتنتقل من مرحلة الإنكار المطلق إلى الاعتراف بوقوعها ثمّ الى تحمّل مسؤوليتها بالكامل كما ورد في فلم “ماثن سميث” الوثائقي الّذي بثّته قناة بي بي اس الأمريكية حيث قال بالحرف الواحد: “أتحمّل كلّ المسؤولية، لأنّه ما وقع في ظلّ سلطتي، لا أريد أن أقول لك، لم أفعل أو فعلتها أو أيّ شيء آخر، هذه تبقى مجرّد كلمات”، كما اعترف بعلاقته الوطيدة بالمتّهم الرّئيسي سعود القحطاني الّذي يبادله الرّسائل بشكل يومي معقّبا بأنّها “بريئة”!
من المنتظر أن تشهد الرّواية السّعودية، السّخيفة والمفتقدة للحبكة والإبداع، تغيّرات وتنقيحات حتّى يتسنّى لعاقل أن يتقبّلها خصوصا مع بعض التّسريبات الّتي بدأت تظهر، ففي مايو الماضي حذّر المعارض السّعودي الأستاذ الدكتور محمّد المسعري اللّواء الفغم من خطر التّصفية على يد وليّ العهد محمّد بن سلمان ونصحه بالهروب خارج البلاد، في حين أفاد المغرّد السّعودي “مجتهد” بأنّ الفغم كان في القصر الملكي وقت الحادث وليس في منزل صديق كما يدّعون موضّحا بأنّ المستهدف هو من الحرس القديم لآل سعود عموما ولا يحضى بثقة محمّد بن سلمان الّذي يسعى لإبعاده أو تغييبه.
وقد يتوضّح المشهد أكثر في الأيّام القادمة لأنّ اللّواء الفغم المستشعر لخطر يتهدّده سجّل على ما يبدو شهادات مصوّرة تحسّبا لمثل هذا اليوم وسلّمه لأحد الأجنحة داخل الأسرة الحاكمة، وما يثير التّساؤلات ويجعل الرّواية السّعودية الرّسمية عصيّة على الهضم، إلى جانب سوابق التّضليل والكذب، هو أنّها أتت على لسان “ذباب إلكتروني” يتلقّى تعليماته من غرفة أبو ظبي المظلمة، مع قتل القاتل وتواجد لقوّات الأمن مصادفة على عين المكان وكأنّهم لديهم علم مسبّق بما سيحدث! وللإجابة على السّؤال بمن القاتل؟ تكون بمن المستفيد؟ وأكيد أنّه ذاك المراهق الأرعن المضطرب نفسيّا والمتعجّل لاعتلاء كرسي الملك بأيّ ثمن كان ولو بالتخلّص من حارس والده الشخصي المحسوب على عقلاء آل سعود من يرون في بن سلمان خطرا داهما يهدّد ملكهم وقد يؤدّي إلى زواله باندفاعه وحماقاته وكثرة أخطائه.
تصفيّة الحارس الشّخصي لوزير الدّفاع المصري
قبل يومين من حادثة اغتيال االفغم تمّت في مصر تصفيّة الحارس الشّخصي لوزير الدّفاع المصري الرّائد طارق أحمد زهير وسط تكتّم شديد من قبل الدّوائر المسؤولة، كان ذلك يوم الخميس 26 سبتمبر الجاري تزامنا مع عودة دكتاتور ترمب المفضّل وهديّة السّماء إلى “إسرائيل” عبد الفتّاح السّيسي إلى مصر بعد أن تلقّى تطمينات أمريكية و”إسرائيلية” بدعمه حتّى النّهاية وسط التململ الشّعبي الّذي بدأ يتحوّل إلى رفض معلن لسياساته المدمّرة لمصر.
هي رسالة مضمونة الوصول لوزير الدّفاع المصري محمّد زكي الّذي توجّه إليه الأضواء هذه الأيّام الّتي تشهد فيها مصر خريفا ساخنا وحراكا واعدا نتيجة للأوضاع الكارثيّة الّتي آلت إليها مصر في ظلّ حكم الطّاغية السّيكوباثي السّيسي، وفحوى الرّسالة أنّ تصفيّة وزير الدّفاع هي بسهولة اغتيال حارسه الشّخصي والمطلوب منه ألا يغامر بالاستجابة لدعوات البعض له بالحياد أو بالاصطفاف إلى جانب شعب فقّر وهمّش وأنهكه الفساد ووطن خرّب وبيع على أقساط في المزاد.
اغتيال الحارس الشّخصي لوزير الدّفاع المصري، إلى جانب ظاهرة الفنّان المقاول محمّد علي الّذي نجح إلى حدّ كبير في تحريك المياه الرّاكدة واستثارة حراك في جسد خلناه مات، يؤكّد وجود صراع الأجنحة داخل أروقة الحكم في مصر وهو حاليا لصالح السّيسي وزمرته، المدعومين من طرف ترمب والمسنودين من قبل نتنياهو والصّهاينة والمموّلين من ممالك الجهل والتصحّر السّلطوي العربي.
والغريب أنّ كلّ الأطراف المذكورة تعيش أزماتها الخاصّة بها وقريبا سيغنّي كلّ على ليلاه! وهو ما يوحي بأنّ ذاك الصّراع لم يحسم بعد في انتظار اللّحظة الحرجة الّتي يتصاعد فيه الحراك الشّعبي لكي يصبح ضاغطا ومؤثّرا وعاملا فارقا وحاسما حتّى يرجّح كفّة هذا الفريق على ذاك.
ما يبدو أنّها إرهاصات لربيع ثان أرسل بخطافه مبكّرا في الخريف، من الطّبيعى أن يستقبل بردّات فعل مشابهة ومعادية لحركة أو محاولة التغيير والمتأمّل في المشهد يلاحظ نفس بصمات المنفّذ ويستطيع أن يستنتج أنّ وراء ما يقع من مؤامرات على الشّعوب هو نفس العقل المدبّر. إذا ما اشتممت رائحة مؤامرة فلا تجهد عقلك كثيرا للبحث عمّن ورائها، هي المؤامرات العبريّة المتّحدة!
مدونات الجزيرة