تعليقي على حوار الرّئيس المرتقب
سامي براهم
لو أدار الحوار إعلاميّ في قيمة زياد كريشان المعرفيّة أو مستوى محمّد اليوسفي المهني لكان أكثر وثراءً وأعلى سقفا من حيث قيمة الأفكار التي تصدر عن المُحَاوَر، الإعلامي النّاجح هو الذي يحسن طرح الأسئلة ضمن خيط ناظم وخطّة تهدف لتمكين المتابع من اكتشاف منطق التّفكير الذي يصدر عنه المُحَاوَر وطريقة حجاجه خاصّة إذا كان مرشّحا لرئاسة البلد، رغم كلّ جهده وحماسه لم ينجح الإعلامي المحاور في تمكين المتابع للحوار من تتبّع نسق أفكار الرّجل، فكانت عديد الاجوبة مبتورة وعديد الأفكار مبعثرة.
في ما يتعلّق بالأستاذ قيس سعيّد مرشّحا للرّئاسة وبقطع النّظر عن إكراه منافسه الذي يدفع لترشيحه بشكل آليّ، تعليقي على مجمل الحوار أنّه مطمئن في علاقة بالأدوار الأساسيّة لرئيس بلد أنجز ثورة يتوق شعبها لتحقيق أهدافها، وهي احترام الدّستور، المحافظة على الدّولة ومؤسّساتها واستكمال هيئاتها الدّستوريّة، البعد الجامع للرّئيس، الدّور الاجتماعي للدّولة، لو كان في الحوار هذه الأربع فقط لكفته ووفّته وأهّلته للرّئاسة.
حديثه عن شكل منظومة الحكم التي يدعو لها لم يكن مقنعا ولم يأخذ حظّه من النّقاش المعمّق لضعف المحاوِر وعدم اجتهاده في البحث عن المسألة ليكون لأسئلته خلفيّة معرفيّة لا مجرّد نقل سلبي لأسئلة الجمهور، لذلك لم نتبيّن التصوّر الشّامل والجدوى من هذا النّظام المزمع تقديمه في مشروع لتعديل الدّستور يمسّ العديد من أبوابه وفصوله.
ما عدا ذلك كشف حضور المرشّح الرّئاسي الأستاذ قيس سعيّد عن شخصيّة تتّسم بالصّدق والنّزاهة والتّواضع واستشعار المسؤوليّة تجاه البلد في هذه المحطّة الفاصلة من تاريخه، بقيت بعض التصوّرات حول برنامجه غامضة وقد فسّر ذلك بأنّه ليس لديه مشروع أو برنامج بل المشاريع تنبع من الجهات، لكن عموما ورغم المراوحة بين الخطاب التقريري العقلاني والخطاب الإنشائي الذي يندرج ضمن الذّكاء العاطفي بدا المرشّح بعيدا عن الشّعبويّة والتّضليل والهروب من مواجهة القضايا التي أثارتها الأسئلة دون التفاف أو مناورة أو ديماغوجيا.
في نهاية الحوار ابتسامة لمرشّح جديّ مثقل ومسكون فكرا ووجدانا بالقضايا التي يتطلّبها تقلّد مهمّة رئيس دولة تتشكّل من جديد وشعب يتطلّع لمستقبل أفضل.