صالح التيزاوي
حدثان بارزان ميّزا الإنتخابات الرّئاسيّة في دورها الأوّل:
الأوّل: صعود أستاذ القانون الدّستور قيس سعيّد إلى الدّور الثّاني وهو مترشّح مستقلّ.
الثّاني: صعود نبيل القروي رجل العمايل والموقوف على ذمّة قضايا في التّهرّب الضّريبي وتهم غسيل أموال، وقد ترشّح عن حزب “قلب تونس”، ومن الغريب أنّ حزبه قد تصدّر نوايا التّصويت قبل إعلان تأسيسه (حسب سيغما كونساي).
أمّا بقيّة المشهد، فأحزاب مثخنة بالجراح، تفاوتت جراحها من المتوسّطة إلى العميقة، فماهي الأسباب البعيد والقريبة، الذّاتيّة والموضوعيّة التي أطاحت بالأحزاب التّقليديّة وبرؤوسها: حكما ومعارضة… حيث خسرت أحزاب الحكم ولم تربح أحزاب المعارضة..
1. سقوط أحزاب اليسار الإستئصالي (اليسار السّلفي)
بعد تفكّك الجبهة، دخلت أحزابه بثلاثة رؤوس، حمّة الهمّامي يريد أن يثبت جدارته بقيادة الجبهة، الرّحوي يريد أن يثبت قدرته على “التجديد” وإحلال اليسار تحت إمرته الموقع الذي يليق به، حليفا للمنظومة القديمة ومرشدا فكريّا لها في إطار ما كان يعرف قبل الثّورة “لجان التّفكير” في صلب التّجمّع.. عبيد البريكي، دخل معوّلا على القواعد النّقابيّة، وهو الذي لم ينجح في دخول المجلس التّأسيسي على قائمة “الوطد”، فكيف حدّثته نفسه بإمكانيّة أن يصبح رئيسا لتونس؟… مشهد جبهاويّ خلاصته، ثلاثة أصفار وراءها فواصل تصل متجمّعة إلى 1,7%.. فهل جنت الجبهة على نفسها بخطابها الإستئصاليّ؟ أم جنت عليها أحقادها وعنتريّاتها الزّائفة؟ (اقتحام مكاتب القضاء أخيرا). وهل قتلها بغيها على الثّورة وعلى قواعد العيش المشترك؟ غير بعيد عن مصير الجبهة، يلقى حزب عبير موسى ذات المصير البائس ولذات الأسباب الإستئصاليّة.. فهل هي نهاية المنظومة “الشّيو-تجمّعيّة”، وهي الأشدّ خطرا على مستقبل الحرّيّات.
2. نداء تونس وما تناسل منه
وجميعها تناسلت من التّجمّع المنحل، سقط الزٍبيدي مرشّح جزء من نداء تونس والبيروقراطيّة النّقابيّة حتّى وإن ادّعى الإستقلاليّة. سقط يوسف الشّاهد مرشّح “تحيا تونس” الذي دخل الإنتخابات تلاحقه تهمة الفشل في التّخفيف من متاعب الناس المعيشيّة، وعدم إبداء إرادة حقيقية في محاربة فساد مستشر في البلاد. محسن مرزوق صاحب “مشروع توتس” انسحب في اللّحظات الأخيرة تفاديا للصّعقة في الإنتخابيّة الرّئاسية وما يمكن أن تتبعها من رادفة في التّشريعيّة.
3. حركة النّهضة
يصدق عليها القول: أنّها لم تربح ولم تخسر.. وخرجت بأخفّ الأضرار.. صحيح أنّ مرشّحها لم يمرّ لأسباب كثيرة ولكنّها لم تخسر صدارة المشهد الحزبي رغم تناقص خزّانها الإنتخابي من محطّة انتخابيّة إلى أخرى… يستدعي الأمر قراءة متأنّيّة وجدّيّة، تستبعد الإستسهال، لتقصّي أسباب انحسارها شعبيّا وهي التي خرجت من رحم هذا الشّعب ومن أحيائه الفقيرة، فكيف انتقل عنها أنصارها إلى غيرها؟
لم تعد تجد نفعا تلك القراءات الخجولة والمتسرّعة التي تعلّق الأمر على إكراهات السّياسة (التّوافق مع النّداء) وإلى القصف الإعلامي الذي لا يهدأ عن قصفها. وهما أمران، لا شكّ
فيهما، ولكنّ الإكتفاء بهما في التّشخيص، يعدّ قصورا في التّشخيص وتقصيرا في مواجهة الأسباب الحقيقيّة للتّراجع قبل أن يتّسع الخرق على الرّاقع..