منجي المازني
قراءة في نتائج الانتخابات الرئاسية
تبرز نتائج الانتخابات الرئاسية الخلاصات التالية :
الخلاصة الأولى : أنّ الخارطة السياسية لم تتغيّر وأنّ قناعات الشعب التونسي مازالت على حالها. والزلزال الوحيد الذي حدث هو بوفاة الرئيس الباجي قائد السبسي. كان الرئيس الراحل زعيما وجامعا للسيستام (الدولة العميقة). ولو كان حيا يرزق وفي صحة جيدة لترشّح للرئاسة ولجمع حوله النّاس ولفاز بالرئاسة مرّة أخرى. ولم يظهر من يخلفه بمثل وزنه وحنكته السياسية والكاريزما التي يتمتّع بها. فكان أن انقسمت المنظومة القديمة إلى أطراف وانشقّت إلى شقوق. فنبيل القروي وعبد الكريم الزبيدي ويوسف الشاهد الذين ورثوا السيستام تحصّلوا جميعهم على 33 % من أصوات الناخبين متفوقين على قيس سعيد وعبد الفتاح مورو مجتمعين اللذان تحصّلا مجتمعين على 31 في المائة. ونقطة الاستفهام الوحيدة تتمثّل في تقدّم قيس سعيد على عبد الفتاح مورو والذي يمكن أن نفسّره بقيام قيس سعيد بحملة انتخابية جيدة في صفوف الشباب خاصّة وبوجود بعض الخلافات الداخلية في حركة النهضة وبعض الخلل في التواصل بين القيادة والقاعدة دفعت بعض الأنصار من الشباب من مناصرة المرشح قيس سعيد.
الخلاصة الثانية : أنّ الذين ساهموا في مرور نبيل القروي (أحد أطراف السيستام) إلى الدور الثاني هم المهمّشون والمفقّرون والمعدمون وكبار السّن و”الزواولة” الذين لم تولهم حكومات الثورة المتعاقبة العناية المطلوبة واللائقة بهم. والتفت إليهم نبيل القروي وساهم في حلّ العديد من مشاكلهم. وتدخّل لدى السلطات الرسمية لإيجاد مخارج وحلول لمشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية والصحية والنفسية. وكان المخلوع بن علي نفسه يعتني بهذه الفئة وذلك بتفعيل عديد المبادرات والمشاريع الاجتماعية ومنها صندوق 2626.
استثمرت حركة النّهضة في المؤلّفة قلوبهم من السياسيين وأصحاب المال لأجل المحافظة على الثورة ولأجل تأمين مسار الانتقال الديمقراطي وذلك بالموافقة على قانون المصالحة ومباركة كل عمل في هذا الاتجاه. ولكنّها أهملت المؤلّفة قلوبهم من الفقراء والمهمّشين وذوي الدخل المحدود. وها نحن نرى كيف يمكن لكل فريق أن يقلب الطاولة على أصحابها سواء كان ذلك عن طريق الاستثمار في الفوضى أو بالصندوق. في بداية الثورة أحدثت جمعيات تعنى بالشأن الاجتماعي وبمساعدة الناس وذوي الدخل المحدود. ولكنّ المنظومة القديمة والحداثيين والعلمانيين شيطنوا هذه الجمعيات وتصدّوا لها وعملوا على حلّها بدعوى أنّ أصحاب هذه الجمعيات هم من المتشدّدين دينيا. وغضّوا الطرف عن الفاسدين والمتلاعبين بالمال العام والمستثمرين في مآسي ومصائب النّاس. فكانت النتيجة استغلال مصائب النّاس لتحقيق مكاسب سياسية وانتخابية. وللقضاء على هذه الظاهرة لابدّ من فتح الباب لإحداث المزيد من الجمعيات التي تعنى بالعمل الخيري وذلك لقطع الطريق أمام المفسدين من احتكار العمل الخيري لأجل تحقيق مآربهم الشخصية. ومن ضمن الحلول الجذرية لهذه المسألة بإمكان فريق الثورة الدفع باتجاه إنشاء صندوق للزكاة يسحب البساط من تحت كل المستثمرين في مآسي النّاس ويساهم إيجاد حلول جذرية لضعاف الحال. علما وأنّ أموال الزكاة تقدّر سنويا ب 3500 مليون دينار.
الخلاصة الثالثة : أنّ التفاف الشباب وراء المرشّح قيس سعيّد لم يكن وليد الصدفة. وإنّما كان نتيجة عمل وخطّة مسبّقة ومدروسة من طرف القائمين على الحملة لتأطير الشباب وخاصّة من غير المأطّرين والمنتمين لأحزاب سياسية. يغلب على هذا الشباب إرادة التغيير والصدق والحماس. ونظرا لصعوبة الوضع الانتقالي وتأخر التنمية والإنجازات فإنّ هذا الشباب بدأ ييأس من الطبقة الحاكمة بجناحيها الثوري والمافيوزي خاصّة بعد ظهور بوادر أزمة في التواصل بين حركة النهضة والشباب الناشئ من فئة ما تحت الثلاثين سنة. حيث ترك هذا الشباب لقدره بدون عناية وتأطير. ولقد صرّح العجمي الوريمي ما مفاده أنّ الكادر النهضاوي انسحب من العمل الجمعياتي ومؤسسات المجتمع المدني وتخصّص في العمل السياسي. فالخزّان الانتخابي لحركة النّهضة هو من تمّ تأطيره وتكوينه وتوجيهه في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. وإذا لم تتدارك حركة النّهضة هذا الأمر فإنّها لن تجد من يحمل لواءها في السنوات القادمة.
يعيش هذا الشباب على هامش من الأمية السياسية. فقد غلب على ظنّه أنّ حركة النّهضة قد تملّكها الخوف وتباطأت في مقاومة الفساد أو هي تراجعت عن مقارعة الاستبداد وركنت إلى المنظومة القديمة ودخلت معها في حلف استراتيجي. ولذلك تأخّرت التنمية وغابت الحلول والمشاريع عن الأفق. في حين أنّ الذي أوقف عجلة التنمية وأوصل البلاد إلى وضعية اقتصادية كارثية هو وجود فريق فاسد وصل إلى السلطة عن طريق الصندوق. ففي زمن المخلوع بن علي كان الفاسدون محميين من طرف الاستبداد. في حين فرض اليوم المفسدون في الأرض أنفسهم على الشعب من خلال الصندوق والمال الفاسد بعد أن تمكّنوا من التصدّي لقانون تحصين الثورة بالقوة وبالاغتيالات السياسية. فالتنمية تستدعي قوانين ثورية وعمليات جراحية واسعة لمحاربة الفساد الذي هو أصل الداء وأصل الخراب. وهو ما لا يمكن تحقيقه بحكومة ائتلافية أغلبها من الفاسدين. فالذي أعاق التنمية بدرجة أولى هو الشعب الذي لم يعط أغلبية مريحة لفصيل أو فصائل الثورة. وليس بقيس سعيد أو بغيره ستتحرك عجلة التنمية. وعلى هذه الحال وهذا التفكير سيضطرون في الانتخابات القادمة للبحث عن شخص آخر لأنّ قيس سعيد لن يحل مسألة التنمية فضلا عن كونها ليست من اختصاصه.