في معنى التصويت العقابي
سفيان العلوي
هناك ما بشبه الإجماع على اعتبار نتيجة الانتخابات الرئاسية في الدور الأول تصويتا عقابيا لم يستثن طرفا من الطبقة السياسية حكما ومعارضة واعلاما وقد خيب انتظارات هؤلاء وصعد مرشحين هما مثار جدل.
هذا العقاب الجماعي هو تصويت بالسلب إذن وهو تصفيه حساب عاجلة مع الماضى القريب قبل أن يكون تصورا للمستقبل. وإذا كان من خلاصة إيجابية نحتفظ بها من رسالة الناخب فهي قيمتان: الصدق واولوية حاجة الناس وهذه قيم ونوايا وليست برنامج.
وفي إنتظار نتيجة الانتخابات التشريعية التي ستكشف عن النزعة الفعلية التي تسمح ببناء فرضيات وتصورات عميقة عن تحول مفصلي ما ومنعطف تاريخي في إنتظار ذلك لا نملك إلا متابعة نسق سبر الآراء وتحركات الفاعلين ميدانيا ومدى استباقهم وتلقيهم لانتظارات الناخبين والوعي بضرورة الإستقرار والتوازن في المشهد.
ليس القبول في التحليل بفكرة العقاب في التصويت كتوظيفه لازاحة المنافسين وشيطنتهم واستمالة مخاتلة لأصوات الناخبين. ولعل أخطر ما فى هذآ التصويت العقابي هو نزع الثقة من الدولة وانهيار حزامها الاجتماعي والطبقي. عندما كان بن علي يفتك بالمعارضين في التسعينات كان يفعل ذاك باسم الدولة وحفاظا عليها كما تمثل عموم الناس. ففي نظرهم هؤلاء مجرمون لأن الدولة سجنتهم (هكذا). اليوم يودع أحد المترشحين بالسجن بقرائن تكاد تكون ثابتة إلى أن يظهر العكس ويحصد تعاطفا شعبيا يلغي ذلك التماهي القديم مع الدولة إلى درجة تزكيته رئيسا.
لن يفيد أبدا الفاعلين السياسيين ترذيل الناخبين ووصمهم بالجوع والجهل وهم يطلبون أصواتهم من جديد. ولن يفيد التحليل الانزلاق إلى القول الكسول بعدم نضج الناخب. ولكن المشكلة تبقى قائمة. لأننا ببساطة مقبلون على مرحلة قلقة من التجريب ونوازع متطرفة لهدم المنجز الهش. ولذلك كلفة عالية وغير محسوبة النتائج.
لقد أثبت الدستور ومناخ الحرية الذي كفله إلى حد الآن قدرة على الصمود وتأمين الإنتقالات بما فيها الانتقال الديمقراطي والمأمول أن يقود في المستقبل الجميع إلى مساحة المواطنة والتعايش والوعي بالمصير الوطني المشترك وتأجيل الأحلام أو التخلي عنها إذا ما تحولت إلى كوابيس.