مقالات

ماذا لو ساندت النهضة قيس سعيد ؟

نور الدين الختروشي

ما أن أعلنت الهيئة العليا للانتخابات النتائج الرسمية وكانت المفاجأة حد الصدمة. فتونس الناخبة وضعت الجميع أمام حيرة هائمة لتختار بين مرشحين يرمز احدهم للغساد المطلق والثاني للبراءة الطريفة.
نجاح القروي بصورة المافيوزي المحتال في العبور للدور الثاني لا يثير الدهشه بقدر صعود قيس سعيد الذي اعلن انه لا يريد الرئاسة وانما تقدم لها من باب “الاكراه على القتال” والحرب وزاد انه لن يصوت لنفسه.
اكثر من نصف مليون ناخب صعدوا صوت الدروشة والطرافة في حالة نشوة صادية بإسقاط السقف علي الجميع، وتصويت عقابي عنيف اعلن ببساطة ساخرة “la négation de le politique”  انكار السياسة وانتقم بقسوة من كل عناصر الحيز السياسي حدودا وقوانين لعبة ولاعبين.
حركة النهضة التي لم تستيقظ من صدمة الهزيمة في استحقاق كان يبدو سالكا أمامها، وضعت في زاوية حادة وصعبة للاختيار في الدور الثاني بين بركة فواضل السوق المافياوي وبين جنون قذافي جديد من دون نفط، يرحب به جزء محترم من الرأي العام وفي مقدمته المتحمسون لتونس الجديدة و الشبيبة المنحازة لقيم واحلام الثورة.
النهضة التي رابطت على ارضية المنجز الديمقراطي والدستوري للثورة وخاضت حروبا مدمرة سياسيا مع المنظومة الصلبة والمعقدة للقديم وتمكنت بشعار الشراكة الوطنية وخط التوافق السياسي من الاقتراب من حسم المعركة مع القديم بأقل الخسائر علي الوطن والحرية، تتعرض في هذه الساعات لمنسوب ضغط شديد من داخلها لتنحاز الى قيس سعيد وترمي بمصير التجربة الى اخاديد مجهول تدمير عناصر التسوية التاريخية والسياسية التي ميزت الخالة التونسية عن مآلات بقية تحارب الثورات العربية.
المنصب السيادي الاول في هيكل نظامنا السياسي يتطلب اولا رئيسا جامعا للتونسيين ومؤتمنا على وحدته الوطنية ومحافظا على سيادته ومصالحه وعلاقاته الخارجية ومسؤولا عن امنه القومي.
قيس سعيد استاذ القانون الدستوري المحترم، وبما صدر عنه في حملته الصامتة، وبقطع النظر عن عمق او سذاجة خطاب القطيعة الشاملة مع السائد في تصور هيئة وبرنامج الرئيس اللازم والمطلوب سيقسم التونسيين ويعيد حالة استقطاب قصوى بين الخنادق المتقابلة في الداخل ولا شيء بحسب ما يطرح سيمنعه من تغيير شركاء البلاد دون قراءة الكلفة الاستراتجية للمس من موازين القوة والقدرة في محيط اقليمي متربص بنجاح التونسيين في المرور السلس الى الديمقراطية من دون دم.
حركة النهضة هي اكثر الاطراف نشاطا وتصميما للمشهد الحالي وحالة قيس سعيد هي النقيض الفوري لكل المقدمات المرحلية والسياسية التي اسست لشرعية اختيار مبدأ الشراكة الوطنية والتوافق السياسي في ادارة المرحلة، وهي الان امام خيارين لا ثالث لهما اعلان فشل خيارها المرحلي وخطها الاستراتيجي والاصطفاف وراء جنون المجهول الثوري لخطاب قيس سعيد او الالتحاق بخندق القديم الذي يهديه خطاب سعيد فرصة نادرة للانتقام من هزيمته السياسية بانتهاج سياسة التوافق مع النهضة.
عبثت الديمقراطية الساخرة بطبقة سياسية مقرفة في عمومها في فسادها وانتهازيتها وجشعها اي بالنهاية عبثت صناديق الاقتراع بشركاء النهضة التي لاعبتهم طيلة السنوات الفارطة بدالة المناورة والقفز علي الالغام والمكر النبيل فجاء فوز قبس سعيد ليعلن نهاية اللعبة قبل الوقت المفترض للمباراة.
عند هذه النقطة يجب ان نعمق وندقق التحليل فامتصاص الوسط من الفضاء السياسي وابتلاعه في اتجاه اليسار او اليمين يعني ببساطة موت السياسة فلا سياسة من دون وسط رمادي يمتص مشاحين الغريزة في الصراع حول السلطة والقوة وينزع عن الصراع مخالب التنافي.
كل استرتجية النهضة من العهدة التأسيسية الي عشية الانتخابات قامت على تأسيس وتحصين الحيز السياسي المفتوح للتعدد والمباراة بأدوات الصراع المدني. وكل الرسالة من وراء صعود قيس سعيد تكثفت في معنى نسف المربع الذي افرزته ديناميكية ما بعد تعقل لحظة الثورة.
تجمع التحاليل على معنى ارادة الناخب في نسف الموجود السياسي الذي افرزه المسار السياسي بعد الثورة لاسباب متعددة تتوزع بين التاريخي البعيد والسوسيولوجي العميق والسياسي القريب وما يهمنا من التذكير بهذه الخلاصة لبس تحليلها وانما استحضار ثقلها الحاضر وتداعياتها القريبة والمتوسطه والبعيدة اذا أستجابت النهضة الرسمية لغواية المقامرة بمساندة رغبة نصف مليون ناخب في نسف ما عمدته الحاسة الاستراتجية للتونسيين وفي مقدمتهم حركة النهضة.
اعلان عبد اللطيف المكي وعامر لعربض لمساندتهم لسعيد دون انتظار الموقف الرسمي للحركة يعبر عن عمق دراما اللحظة القلقة التي تخيم علي مونبليزير المنهكة من فشل انتخابي مفزع كان منتظرا ان ينفس مفاعيل التناقضات في جسم نهضوي جريح من اثار معركة التوافق المر. واذا بتسونامي فوز سعيد يعصف بخيط التوازن الرقيق بين مراكز القوى في مونبليزير التي افرزها سؤال الديمقراطية الداخلية بإظافة سؤال الرؤية والخط والاستراتيجيا.
تقديري ان النهضة لا تريد نسف الموجود وفتح مصير التجربة علي مجهول رومانسيات الثورة والعنصر الاساسي الواضح في ضباب اللحظة هو هنا وتحديدا تملك نصف الموقف هو معرفة ما لا يمكن خسارته او المقامرة به المنجز الدستوري والفضاء السياسي المتولد على قاعدته.
عند هذا الحد من الممكن للنهضة ان تلتفت لشركائها في حدود هذه الفكرة المفصلية والفارقة وهم كثر بل هم الاغلبية العاقلة من كل المدارس ومن كل المشارب السياسية والمطلوب منهم ان يعدلوا بوصلة التوازن الانتخابي لغير صوت الجنون والمقامرة بالمصير الوطني.
الوسط السياسي الذي دكه فوز سعيد لم يدمر على ساكنيه كما تروج أبواق الدعاية الحالمة والمتربصة والمرتعبة بل هو اقوى من كل منازع الانحراف بالمباراة الى حدود التنافي والتحارب والمطلوب ان يستجمع منابع قوته الذاتية والموضوعية للخروج من الزاوية المأزقية الحادة التي وضعنا فيها جميعا فوز سعيد الصادم في الدورة الاولى من الرئاسيات.
فوز قيس سعيد اعلن كل النهايات فهل تنهي النهضة نفسها بدعمه في الدور الثاني؟

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock