فتحي الشوك
بعضهم اعلن النّصر والمعركة الحقيقية لم تبدأ بعد وابتدؤوا يقتسمون الغنائم كما وقع ذات أُحِدْ. هل انهزمت المنظومة؟ بالتّأكيد ليست بعد!
هي حالة وعي تشكّلت وتتشكّل في انتظار أن تتنظّم وتتنزّل على الأرض لتكون بديلا لمنظومة قديمة متصدّئة فاسدة مفسدة في الأرض لم تنتج سوى فطريات ونباتات ضارّة.
من الغباء تصوّر أنّ أصحاب النّفوذ والمصالح سيستسلمون بتلك السّهولة المتخيّلة وان يسلّموا طواعيّة مفاتيح المخزن وطلاسم فتح مغارة علي بابا، ومن الجهل تجاهل المعطى الاقليمي والمحاولات المتواصلة لوأد التجربة التونسية الّتي صارت تمثّل تهديدا وجوديا مباشرا للدكتاتوريات العربية، ومن الحماقة ان نستنتج انّنا عبرنا العواصف ومررنا الى برّ الأمان وصرنا في منأى عن المخاطر.
لم تنهزم المنظومة بعد وقد تتشكّل من جديد مستغلّة سذاجة البعض ومستثمرة في جهل زرعته ورعته لتقطف ثماره حينما تريد، وهي حتى وان خسرت الرّئاسية فلها في التشريعية والحكومة خير تعويض وسيكون لها ذلك مع ما نشهده من لغط ومهاترات ومعارك جانبية بين من ينتصبون بديلا لها.
ظاهرة قيس سعيد هي نتيجة طبيعية لفشل موجود ولتطلّع الجميع إلى حلّ بديل، وتراجع الاحزاب التقليدية هو مفهوم ويفسّر ضمن سياق تراجع عام لكلّ التنظيمات في العالم نتبجة لثورة المعلومات المخترقة للحدود.
وما يطرحه الأستاذ الّذي يبدو طوباويا للبعض هي اسئلة تطرح حاليا في تصوّر السّلطة، جدليّة الحكم وتمثُّل الوطن ومواطنيه، طرح عميق وقابل للتحقّق ويستلزم وعيا وخوضا لمعركته، كيف يتحوّل الانسان الى دولة أو كيف تقام دولة الانسان حيث يسعى الى تطبيق قوانينها على نفسه قبل غيره، هي معركة وعي طويلة وقاسية تتطلّب جهدا ووقتا ولا بدّ من خوضها ان كنّا نبغي تغييرا ورقيّا.
انطلقت شرارتها لتكون حالة وعي ولم تصل بعد الى مقام الوعي الّذي يتطلّب عملا مضاعفا في العائلة والمدرسة والشارع.
هو مشروع واعد ولكي ينزّل ويصبح منتجا لا بدّ ان تكون له بعض آليات تنفيذ إن أمكن وفي الحدّ الأدنى طوقا يحميه من معاول العابثين والمفسدين.
ليس الوقت الآن لتصفيّة الحسابات أو لجلد الذّات أو لاقتسام غنائم معركة لم تحسم بعد، ومن الغريب أن توجّه السّهام الى من كان يحمي الظّهور وساهم في تفكّك منظومة الفساد والاستبداد وراقص الذّئاب حتّى أجهدها وعانق الأفعى لتفرغ فيه سمّها وكانت له كم من عملية انغماسية مهّدت لهذا النّصر الجزئي.
لم نكن نصل الى مثل هذه اللحظة لولا تضحيات البعض ممّ كلّفهم جراحا وكلفة باهضة فيكفي عنتريات وتنطّع ومشادّات لا تغني ولا تسمن من جوع، نحن في لحظة تاريخية لا تتكرّر، امّا ان نكون في مستواها، لنصطفّ ونعمل سويّا ونتحرّر ويكون العنوان الحصري هو الوطن والانسان، وإمّا أن نستمرّ في طعن بعضنا البعض، في التفتّت والتشرذم لتأكلنا الضباع ككلّ مرّة كما أكل الثّور الأبيض.
تريّثوا ولا تتسرّعوا يرحمكم الله.