شوقي البوعناني
مشكلتنا الأزلية وأظنها مشكلة العالم العربي في مراحل كثيرة مفصلية من تاريخه هي التعامل العاطفي والوجداني والانفعالي مع المنعرجات التاريخية التي تمر بها الأمة والشعوب. ظننا ذات يوم أننا أسقطنا النظام فانصرف الشباب من ميدان القصبة تاركين السلطة لرمز من رموز النظام وتركوا أحزاب الثورة تكابد مشاق الصراع مع أدوات النظام التي نجحت في امتصاص لحظة الصدمة وانطلقت في تهيئة الأوضاع للانقلاب على الثورة ورموزها. وكانت الاستراتيجية المعتمدة هي استراتيجية ركوب موجة الثورة العاتية فانقلب بعض رموز النظام فجأة إلى ناطقين باسم الثورة، وطوال سنوات نجحت نفس أدوات دعاية النظام في تشويه صورة الثورة والبقية الباقية من شبابها التي حملت عنوان لجان حماية الثورة وشيطنة الأحزاب التي جاءت بها صناديق الاقتراع بعد الثورة. حتى نجحت في جعل أبناء الصف الثوري يعادي بعضه بعضا بل جعلت شباب الثورة نفسه يناصب الأحزاب التي تصدت للحكم ولتفكيك مفاصل المنظومة القديمة العداء.
وتمكنت من حشد الشباب والمواطنين في سلسلة من الإضرابات والاعتصامات والمطالب التي لا تنتهي مستعينة في ذلك ببعض المنظمات الاجتماعية. فقد عمدت وسائل إعلام الدعارة إلى تضخيم كل خطأ يحصل من أحزاب الثورة أو من شخصيات الثورة وتصويره كأنه كارثة كبرى وحجة على أن هؤلاء أسوأ من رجال نظام بن علي ورموزه إلى أن وصلنا إلى مشهد سوريالي أصبح يخيل فيه للمرء أن الشعب لم يثر على نظام بن علي بل ثار على المناضلين الذين تصدوا للحكم بعد الثورة. وكأن الشعب كان قبل بن علي في رخاء وأمان وهؤلاء هم الذين أفسدوا وضع الاستقرار والأمن الذي كان ينعم به الشعب وهم الذين تسببوا في ارتفاع الأسعار وفي ارتفاع نسبة البطالة وانهيار الدولة واستشراء الفساد والمحسوبية وغيرها من الأمور، وكانت وسائل إعلام الدعارة تعمل ليل نهار على خلق صورة للطبقة السياسية الجديدة كما لو أنها أكثر فسادا من بن علي وأصهاره وتم تصنيع مقولات من قبيل “الطرابلسية الجدد” وترويج شائعات وأكاذيب تدعم هذه الصورة. وانبرت أدوات النظام القديم في عزل أكثر الأحزاب تبنيا لشعارات الثورة وهرسلتها وتشويهها واستقطاب من يمكن استقطابه من أبناء الصف الثوري من بعض الأحزاب والشخصيات التي كانت معادية لنظام بن علي. وتم تركيز القصف على الحزبين الأساسيين الذين كانا يعبران عن شعارات الثورة وهما النهضة والمؤتمر ولما لم تنجح كل هذه الوسائل تم اللجوء إلى الاغتيالات والعمليات الإرهابية ووقع استثمار هذه الأحداث لتحميل هذه الأحزاب المسؤولية عنها مع عمل المضاربين ورجال الأعمال الممسكين بمفاصل الأسواق والأسعار على المضاربة والرفع في الأسعار حتى يجعلوا حياة المواطنين جحيما ويجعلوا من تلك الأحزاب شيطانا رجيما. وبالفعل فقد آتت هذه الاستراتيجية أكلها ورأينا بعض أحزاب الصف الثوري تتفكك وتندثر مثل حزب المؤتمر وحزب التكتل. وتُركت أحزاب الثورة التي حافظت على تماسكها ورموزها تقاوم وحيدة معزولة وسط أمواج متلاطمة من المآمرات والضربات من كل صوب.
وقد كان الهدف هو الانقلاب على الثورة والإجهاز على كل ما جاءت به وخاصة مطلب الدستور والمجلس التأسيسي والعدالة الانتقالية ومحاسبة رموز النظام القديم. وكانت معركة الدستور معركة حاسمة استبسلت أحزاب الترويكا في الخروج منها بأخف الأضرار. وقد نجحت في فرض دستور يضمن الحريات ويؤسس لجمهورية ثانية ديموقراطية. وكانت مضطرة لتحقيق هذا الحد الأدنى من مطالب الثورة إلى تقديم الكثير من التنازلات، هذه التنازلات التي زادت من تفكك الصف الثوري بسبب الخلاف حولها. وقد ظنت قوى المنظومة القديمة أن لحظة الحسم قد أزفت وأن الوقت أصبح مؤاتيا للإجهاز على الثورة وعلى كل من يتبنى مبادئها فكان “اعتصام الأرز” الشهير الذي اجتمعت فيه قوى المنظومة القديمة جنبا إلى جنب مع كثير من التيارات التي كانت معارضة لبن علي. وكانت إثارة معركة الهوية وسيلة لاستمالة كثير من الأطراف الإيديولوجية باعتماد استراتيجية التخويف من النهضة ومن التيارات الإسلامية المتطرفة. واستثمرت قوى النظام القديم في العداء الإيديولوجي لكثير من التيارات التي توصف بالديموقراطية والحداثية لحركة النهضة ولما يعرف بالإسلام السياسي. وتجمعت كل هذه القوى في النهاية تحت راية الباجي قائد السبسي رمز المنظومة القديمة وكانت انتخابات 2014 معركة فاصلة بين رمز المنظومة القديمة وبين رمز الثورة المنصف المرزوقي الذي اصطفت تحت لوائه أغلب القوى الثورية. وجاءت نتائج الانتخابات التشريعية لصالح حزب نداء تونس وقد وجدت حركة النهضة نفسها، وهي الحزب الوحيد من أحزاب الثورة الذي فاز بكتلة معقولة من مجلس النواب، مضطرة إلى رفع لواء سياسة التوافق مع السبسي وكان قد سبق ذلك لقاء باريس الذي لا نعلم إلى اليوم الكثير من خفاياه. وربما يكون الشيخان عقدا صفقة للحفاظ على الحد الأدنى من مكتسبات الثورة في مقابل التخلي عن محاسبة رموز النظام القديم. وهو ما جعل النهضة تدخل في تشكيل حكومة نداء تونس لقطع الطريق على إمكانية الانقلاب على أهم مكسب من مكاسب الثورة وهو دستور الجمهورية الثانية والنظام الديموقراطي الذي أرساه المجلس التأسيسي. ولكن حصل بعد ذلك ما لم يكن في الحسبان وهو دخول الأطراف التي جمعها السبسي تحت لواء نداء تونس في صراعات وخلافات بسبب تقسيم غنائم السلطة ما جعل هذا الحزب وكتلته النيابية تنقسم إلى أحزاب عديدة متصارعة حتى وصل الخلاف ذروته بين السبسي ورئيس وزرائه.
والغريب أن النهضة كانت في كل المراحل تُحمَّل تبعات كل الكوارث في استراتيجية شيطنة متواصلة طالت كل الأحزاب وحازت فيها النهضة النصيب الأوفر. وكان لتوافقها مع نداء تونس ثم مع الشاهد في مرحلة لاحقة ثمن باهض دفعته من شعبيتها ومن قاعدتها الانتخابية وربما يكون هذا الحزب مثلا يحتذى في التضحية بالحزب وهياكله وقاعدته الانتخابية للحفاظ على الحد الأدنى من مكاسب الثورة وهو حرية التعبير والنظام الديموقراطي. حتى جاءت انتخابات 2019 الرئاسية فكان تصويت الشعب تصويتا انتقاميا عقابيا وجهته منظومة الدعاية المعادية للثورة، وكان في حسبانها الإجهاز على الثورة ورموزها بصفة نهائية لكن جزءا من الشعب لا ينبغي أن نبالغ في تقدير حجمه على غرار ما يفعل الكثيرون اختار التخلي عن كل الأحزاب والشخصيات التي شاركت في السلطة بعد الثورة حكاما ومعارضة على أساس أن هذه الطبقة السياسية هي التي أوصلت البلد إلى الوضع الكارثي الذي استثمرته وسائل الدعاية النوفمبرية التي ركبت موجة الثورة وهموم الفقراء والجائعين والعاطلين أحسن استثمار. ونحن ننتظر خلال الأيام المقبلة أن تتوحد قوى المنظومة القديمة وراء المرشح الأقرب لها وهو نبيل القروي وأن تتوحد قوى الثورة وراء الشخصية الأقرب لها وهو قيس سعيد. لكن الملاحظ يشاهد أن نفس وسائل دعاية إعلام الدعارة بدأت في تكرار نفس الاستراتيجية وهي تشويه المرشح المفترض للثورة ونحن ننتظر في حالة فوزه في الانتخابات أن تتواصل نفس الاستراتيجية لأن الشباب الذي قام باعتصامي القصبة ثم انصرف إلى دياره يرقب عن بعد، والناس الذين صوتوا للنهضة والمؤتمر والتكتل في انتخابات 2011 ثم عادوا إلى بيوتهم يشاهدون فصول المعركة بينها وبين المنظومة القديمة، بل إن جزءا كبيرا منهم هم الذين يكيلون اليوم لها التهم جزافا ويرددون مقولات إعلام العار، هؤلاء الذين نتوقع أننا سنراهم طوال خمس سنوات يكيلون التهم لقيس سعيد وللأحزاب أو القائمات التي ستفوز اليوم في الانتخابات من الصف الثوري. ذلك أن المطلب المتمثل في الرفاه المادي والتشغيل لا يمكن أن يتحقق في ظل النظام الانتخابي الذي تمت هندسته بطريقة تمنع أي حزب من الحكم منفردا وأن يطبق برنامجه.
فطالما لم يتمكن أبناء الصف الثوري من الحصول على النسبة الملائمة أي أكثر من نصف البرلمان فلن يتمكنوا من الحكم وربما تكون العواقب وخيمة. والحقيقة أن استراتيجية ضرب الثورة ورموزها ليست استراتيجية محلية بل هي استراتيجية خارجية تدار بأياد محلية لأن الهدف الأخير هو جعل الشعب التونسي ومن ورائه كل الشعوب العربية تكفر بالثورة وترضى بأي نظام عميل يتولى أمرها وتقلع بصفة نهائية عن التفكير في الثورة عليه. حصل هذا الأمر في كثير من دول الربيع العربي بطرق عنيفة لكنه يحصل في تونس بطريقة ناعمة تتمثل في سحب البساط تدريجيا من تحت القوى الثورية والوطنية والإجهاز عليها بطرق ناعمة نوعا ما. والمرحلة القادمة في نظري ستكون استمرارا للمراحل السابقة يخرج فيها الشعب بخيبة أمل أخرى من منظومة الثورة لأن قيس سعيد لن يتمكن من تحقيق أحلام شباب الثورة لمحدودية صلاحيات رئيس الجمهورية ومحدودية قدراته رغم نظافة يده ونزاهته. ونحن ننتظر أن تعمل جوقة القصف الإعلامي على هرسلة الرجل وتشويه صورته وتصيد أقواله وأخطائه وتضخيمها كما فعلت مع سابقيه من رموز الثورة. ومن المنتظر أن يكون له بعد خمس سنوات نفس المصير الذي رأيناه لأشخاص آخرين من رموز الثورة خاصة أنه لا يمتلك حزبا وكتلة برلمانية ولا علاقات دولية. ومن المنتظر أن يشهد البرلمان القادم تشتتا وصراعات أكبر من البرلمان السابق وستستثمر أدوات المنظومة القديمة تلك الصراعات والأخطاء وتضخمها كما فعلت سابقا حتى تجعل الشعب يكفر بالثورة والديموقراطية كليا ويقبل أي انقلاب مسقط يفرض نفسه على أعلى هرم السلطة تحت تعلة إنقاذ البلد وهو سيناريو وارد جدا في تونس خاصة بعد يأس المنظومة القديمة من الاستحواذ على السلطة بالوسائل الديموقراطية وعدم تمكن منظومة الثورة من الحكم وتوفير المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية للطبقات الضعيفة التي كانت تعلق آمالا كبيرة على الثورة والتي لم تعد مستعدة للصبر أو التضحية لمدة أطول.
لا يعفي كل ذلك أحزاب الثورة من الفشل في إدارة المرحلة وقد ساهمت في ذلك عوامل كثيرة يأتي على رأسها التشتت وحب الزعامة والدخول في صراعات داخلية جعلتها عاجزة عن توحيد صفوفها في مواجهة المنظومة القديمة. وسوء تقديرها لقدرات الدولة العميقة ومنظومة الثورة المضادة ومن يقف وراءها من قوى في الداخل والخارج والرهانات الدولية على المعركة بين أبناء الثورة وبين المنظومة القديمة المكلفة بالمحافظة على مصالحها، وما تمثله الحالة التونسية من نموذج قد تحتذى به في صورة نجاحه شعوب عربية أخرى مع ما قد يترتب على ذلك من تهديد لمصالح القوى العظمى في العالم. كذلك افتقار قوى الثورة إلى وسائل الإعلام والدعاية للتعريف بأهدافها وبرامجها ومنجزها بطريقة صافية بعيدة عن وسائل المنظومة القديمة التي تسلك طريق وضع السم في الدسم، هذه الوسائل التي كان يفترض أن تعمل على توعية الشعب وإطلاعه على حقيقة الوضع الداخلي والخارجي وبما هو مطلوب منه لإنقاذ ثورته من الفشل، وتعويل أبناء الثورة على المواقع الاجتماعية وعلى الفايسبوك الذي لا يفيد كثيرا في مجتمع لا تزال شرائح كبيرة محددة لنتائج الانتخابات فيه تعاني من الأمية والفقر فلا بد من وسائل إعلام تصل إلى عامة الناس من أميين وفقراء وتخاطبهم بلغتهم. وقد رأينا الحرب التي شنتها قوى الثورة المضادة على كل محاولة لتأسيس وسائل إعلامية بديلة تتبنى خط الثورة وقد وقع إفلاس كل القنوات الفضائية التي تبنت مبادئ الثورة وأجبرت قنوات أخرى على تغيير خط تحريرها ومنعت قنوات أخرى من الانتصاب بتعلات عديدة حتى إن بعض قوى الثورة قد سلمت بالهزيمة في هذا المجال وتخلت عن الفضائيات التي أنشأتها.
ومن أهم ما يؤخذ على قوى الثورة افتقارها إلى الكفاءات والخبرات في تسيير شؤون الدولة وانغلاقها على نفسها وعلى مناضليها وعدم انفتاحها على الشخصيات الوطنية النزيهة ونظيفة اليد من الإدارة التونسية ومن الكفاءات والأدمغة التي اختارت الهجرة وتعويلها على شخصيات لا خبرة لها ولا كفاءة في تسيير الدولة كل زادها هو رصيدها النضالي في مقارعة الاستبداد الذي لا يكفي أبدا لهذه المهمة الجسيمة، خاصة أنها كانت مبعدة طيلة عهود الاستبداد عن الدولة وشؤونها وعن المواقع القيادية فيها التي كانت حكرا على الحزب الحاكم. طبعا توجد نقاط ضعف كثيرة أخرى استثمرتها قوى الثورة المضادة في التشكيك في قدرتها على تحقيق الإنجازات التي وعدت بها بل وقع غض الطرف عن كثير من الإنجازات التي تحققت بالفعل والتي يلاحظها المرء بالعين المجردة وهو يتجول في ربوع البلاد. ومن السلبيات التي وقعت فيها أحزاب الثورة شططها في الوعود الانتخابية وهو ناتج عن قلة خبرة هذه الأحزاب بإمكانيات الدولة وقدرتها على تحقيق هذه الوعود. وهو ما استثمره أعداء الثورة في تصوير أصحاب هذه الوعود في صورة الكذابين مزدوجي الخطاب الذين يسعون إلى الكراسي بأي ثمن، وهو نفس الخطأ الذي لا يزال متواصلا في الانتخابات الرئاسية والتشريعية الحالية وإن كنا نلاحظ نوعا من الرصانة بالنسبة إلى بعض الأحزاب التي مارست الحكم وهو ما يجعلها في موقع لا تحسد عليه أمام القائمات الأخرى التي تتاجر في بيع الأوهام لأنها في الغالب من القائمات المستقلة التي لا تخسر شيئا لأنها تنفق من رصيد آني وليس لها رصيد تاريخي أو مستقبل، خلافا للأحزاب التي تنفق من رصيد استراتيجي ولها تاريخ ومستقبل لا بد لها من الحفاظ عليه وقد رأينا شيئا من ذلك في الانتخابات البلدية. وهو المتوقع أن نراه في الانتخابات التشريعية القادمة.
ختاما من المنتظر أن تأتي الانتخابات التشريعية القادمة بوجوه جديدة لا علاقة لها بالطبقة السياسية التي حكمت خلال السنوات الفارطة باستثناء حركة النهضة التي يرجح أن تنخفض كتلتها في البرلمان مع صعود كتل جديدة من قبيل قلب تونس وعيش تونسي وبعض القائمات المستقلة. وستواصل الأحزاب التي شكلت المشهد السياسي في السنوات الماضية تراجعها وبعضها من المنتظر أن يخرج من المشهد البرلماني بالكلية. هذا المشهد الجديد سيكون نتيجة طبيعية للتصويت العقابي الذي يعتمد العاطفة والانفعال والتأثر بوسائل الدعاية التي تعتمد التلاعب بالعقول، وهو لن يكون نتيجة لقراءة عقلانية في البرامج وتقييم موضوعي لما يمكن إنجازه بالفعل في ظل الظروف الاقتصادية الموضوعية لبلادنا. سنجد أنفسنا أمام برلمان مشتت فسيفسائي لا تمثل فيه قوى الثورة إلا جزءا ضئيلا ومن الوارد جدا أن تبقى في المعارضة. إلا إذا حدثت مفاجأة مستبعدة بالتحالف بين قيس سعيد وكتلة ما من الكتل الثورية المترشحة للانتخابات وهو ما من شأنه أن يفك العزلة التي يمكن أن تفرض عليه في صورة انتخابه رئيسا للجمهورية وأن يوفر له الحزام السياسي والبرلماني الضروري، فيما عدا ذلك ينتظر أن تسيطر على البرلمان قوى الشعبوية والمافيات أو القوى المعادية للثورة التي سلكت استراتيجية جديدة تتمثل في تقديم وجوه غير معروفة في المشهد السياسي واستثمار الغضب الشعبي على الطبقة السياسية.
وحتى في صورة نجاح بعض الكتل الثورية فإننا ننتظر نفس الأخطاء نظرا لافتقار الطبقة الجديدة إلى الخبرة المطلوبة في تسيير شؤون الدولة وهو ما ستستثمره قوى الثورة المضادة لإفشالها كما أفشلت سابقاتها إلا إذا كان للفائزين في الانتخابات من القوى الثورية القدرة على توحيد الجهود والتواضع وتقديم من هو أقدر على خدمة الدولة أو استجلابه من الكفاءات التي تعج بها تونس من الخبرات التي تتمتع بنظافة اليد مع ضرورة معالجة الخلل التواصلي الذي عانت منه وإيجاد وسائل الإعلام الجماهيري البديل والمحترف، وتونس لا تعدم رجال إعلام شرفاء من ذوي الكفاءة في هذا المجال فلا بد من تجميعهم في إطار مشروع إعلامي ضخم يكون سندا للثورة ورجالها مساعدا على توعية الجماهير بحقيقة التحديات المطروحة على البلد. وأهم درس يجب استخلاصه هو أن الذين سينتخبون قيس سعيد والقوى الثورية في حالة نجاحها في البرلمان لا يجب أن يعودوا إلى بيوتهم ويتركوا هؤلاء لمصيرهم يواجهون عواصف الثورة المضادة التي ينتظر أن تتصاعد وتجدد جلدها في المرحلة القادمة وأن يكونوا مستعدين للحفاظ على ما أنجزوه بالعمل الفعلي على الميدان لا بالفرجة على ما يقع من وراء الشاشات، وان يحافظوا على وحدتهم وتماسكهم وأن يمتلكوا الحصانة من أدوات الثورة المضادة الخبيثة ومن محاولة اختراقهم والعمل على تشتيت شملهم. إن المرحلة القادمة أخطر المراحل في تاريخ تونس وهي المعركة الحاسمة بين قوى الثورة والثورة المضادة تتطلب يقظة متواصلة وجهدا مكثفا ووعيا من القيادة المرتقبة وقدرة على توحيد الصف الثوري واستقطاب الكفاءات الاقتصادية على وجه الخصوص وقدرة خاصة على الإحاطة بالشعب ونشر الوعي بما يمكن تحقيقه في المديين المنظور والبعيد. أما إذا حدث العكس لا قدر الله فينبغي أن نعد أنفسنا لأيام هي أسوأ من أيام بن علي ولنا في ما يحصل في دول الربيع العربي درس يجب أن نعيه ونستوعبه. أول الخطوات وأهمها لإنقاذ الثورة هي الوقوف صفا واحدا وراء قوى الثورة في الانتخابات التشريعية ووراء قيس سعيد في الانتخابات الرئاسية مع علمنا أنه بدون حزام سياسي من قوى الثورة لن يتمكن من إنجاز شيء مما حلم به شباب الثورة الذين ساندوه. وحذار حذار من قوى المافيا ومن الوجوه الجديدة المدعومة من وراء البحار.