قيس سعيد والآخرون…
صالح التيزاوي
وضعت الحملات الإنتخابيّة للرّئاسة في دورها الأوّل أوزارها وباحت بأسرارها، بعد أن قال الشّعب كلمته وتمرّد على الأحزاب التّقليديّة، من يمينيّة ليبراليّة تناسلت من التّجمّع ويمينيّة محافظة ويساريّة أيديولوجيّة، وعاقب السّياسيّين جميعا من منظومة الحكم ومن المعارضة على حدّ سواء، ومنح ثقته للمترشّح المستقل “قيس سعيّد” الذي تخفّف في الإنفاق على حملته الإنتخابيّة ولم يقدّم وعودا كاذبة من قبيل وعود “كافور الإخشيدي” للمتنبّي. لقد كان نسيج وحده.. بخطابه الذي لم يستسغه المشوّهون، بكاريزميته، وبتواضعه.
لماذا تبوّأ قيس سعيّد المرتبة الأولى؟
دخل السّباق بلا دعم حزبيّ ورفض الدّعم المالي الحكومي لحملته وليس له آلة انتخابيّة تقف وراءه ولا ذراع إعلاميّة تروّج له، واقتصر في الإنفاق على تبرّعات داعميه من الشّباب
المثقّف ومن شباب الجامعات الذين سئموا الصّراعات الحزبيّة وآمنوا بفكره واطمأنّوا إلى استقلاليّته، فما هي نقاط القوّة التي رجّحت كفّته؟
- تجنّب الوعود الكاذبة في حملته الإنتخابيّة وخاصّة إبّان المناظرات التّلفزيّة، بل هاجم في جرأة نادرة المرشّحين الذين وعدوا بما ليس في مقدورهم وشبّه وعودهم بوعود كافور الإخشيدي للمتنبّي.
- التزام خطّي بصلاحيّات رئيس الجمهوريّة المنصوص عليها في الدّستور..
- الأجوبة الدّقيقة والمدروسة دون ثرثرة أو حشو على نحو ما وقع فيه أغلب المترشّحين الذين سقطوا في الشّعبويّة.
- تواضعه في عرض أفكاره وفي تعامله مع محاوريه وفي إنفاقه على حملته الإنتخابيّة دون بهرج وفي التّعامل مع منافسيه ومع داعميه خاصّة دون استعلاء، أصغى إليهم كما أصغوا إليه، عاشوا هموما مشتركة وحلما مشتركا، تطلّعوا إلى تحقيقه بإرادة مشتركة، فلم يسر بينهم سيرة المرشد والزّعيم ولم يتّخذ منهم أتباعا وحواريين.
- إيمانه بالشّباب وبقدرته على التغيير وبضرورة إحلاله المنزلة التي يستحقّها وفاء لدماء الشّهداء من الشّباب، الذين استفاد شيوخ السّياسة من دمائهم وأقصوهم عن مواقع القرار..
- التّقليل من الظّهور الإعلامي إلّا بقدر الحاجة واجتناب الرّدود الإنفعاليّة على الأسئلة الإستفزازيّة لبعض الإعلاميين الذبن حاولوا التّقليل من شأنه لحساب مرشّحي “السّيستام”.
- احترام ثوابت المجتمع في مسألة الميراث وفي المثليّة الجنسيّة واجتناب الصّراعات الهوويّة التي تقسّم المجتمع.
- طرح فكرة المجلس الأعلى للتّربية ودسترته حتّى يكون بمنأى عن التّجاذبات الحزبيّة وعن التّوظيف النّقابي خدمة لأجندات لا علاقة لها بالشّأن التّربوي.
ما هي دلالات الفوز؟
مخطئ من يتّهم الشّباب بالعزوف عن السّياسة لأنّ الذين تخلّفوا عن الإدلاء بأصواتهم من فئات عمريّة مختلفة، ولأنّ الذين التفّوا حول قيس سعيّد هم من خيرة شباب تونس وعيا وثقافة واعتدالا.. نجح قيس سعيّد بفضل الشّباب ليجد نفسه في مواجهة مترشّح موقوف على ذمّة العدالة، خزّانه الإنتخابي من كبار السّنّ غير المتعلّمين ومن المفقّرين والمهمّشين ضحايا دولة الإستبداد وضحايا المساعدات الإجتماعيّة المسمومة، في واقع اجتماعي مرير، تميّز بغياب الدّولة وأجهزتها عن القيام بدورها في التّنمية والتّشغيل والإحاطة الإجتماعيّة. فهل باتت المعركة بين وعي الشّباب الطّامح للتّغبير الجذري في إطار ديمقراطي وبين أحزاب تقليديّة طامعة في التّموقع على حساب الدّولة والشّعب وثورته؟