رشدي بوعزيز
قصة من الواقع
سأروي لكم قصة حقيقية حصلت لي في 2012 في أحد أرياف سليانة إبان حكم الترويكا. ذهبت مع مجموعة من الخيّرين في قافلة خيرية صحبة شخص يعرف المنطقة.
كانت قافلة عادية لكن الاستقبال كان غير عادي، فقد هرع الأهالي من كل حدب وصوب والتفوا بنا ودعوا لنا بالخير، وكلما تقدمنا خرج الأهالي لاستقبالنا فرحين، تارة يشكروننا وتارة يشكون همومهم وقلة حيلتهم بل إن بعضهم أدخلنا منزله ليرينا الحالة المزرية التي يعيشون فيها.
وفجأة، صاح أحدهم: تحيا النهضة تحيا النهضة، وتبِعه في ذلك آخرون، فتفاجأنا وقلنا لهم: نحن لسنا النهضة، نحن فقط مواطنون نقوم بعمل تطوعي خيري. لم يصدقوا كثيرا ما قلنا وأتبعوا قائلين: منذ 50 سنة لم يأتنا إلى هنا أي مسؤول، فالدولة لا تكترث بنا وتركتنا نواجه مصيرنا لوحدنا.
من سينتخب هؤلاء المواطنون: الذين أشبعوهم وعودا من الذين “يخافون ربي” ومن الذين “لا يخافونه”؟؟ أم الذين أشبعوا بطونهم بالمعونات ومشاعرهم بالحنان واصطحبوا معهم الأطباء ليفحصوهم مجانا؟؟ هل تريدونهم أن ينتخبوا السراب ام الواقع الذي عاشوه بجوارحهم ورأوه بأم أعينهم؟؟
ثم تعلو عديد الأصوات من أبراجهم العاجية تكيل أبشع النعوت لمن انتخبوا نبيل القروي، ومنهم من لم يقم في حياته بزيارة واحدة لهؤلاء المعذبين في الأرض ويعتقد وأن البلاد تقتصر فقط على المدن الكبرى، وأن بقية التونسيين يفكرون مثلهم. والطامة الكبرى هي أن بعض هذه المواقف تأتي من أناس مستواهم التعليمي عالي ولكن، وللأسف الشديد، مستواهم الثقافي والاجتماعي والمعرفي متدني جدا.
أنا لا انتخب ولن انتخب القروي، ولكنني احترم واتفهم موقف الذين صوتوا له، إما لاحساسهم بأنه الوحيد الذي أحس بمعاناتهم وتواضع لزيارتهم وقدم لهم اعانات ملموسة، وإما لإحساسهم بأنه وقع ضحية طبقة حاكمة وضعته في السجن خوفا منه. يوفى.