صالح التيزاوي
تحركات لافتة للإنتباه يقوم بها السفير الفرنسي في تونس، بطول البلاد وعرضها، يلتقي بأشخاص، وبهيئات ويحضر في وسائل الإعلام (قهيوة عربي)، وفي الأسواق، وفي الملاعب ويتحدث في الشأن العام التونسي، بل حتى في مسائل سيادية كالثروة النفطية والإنتخابات ويطالب بحقّ الردّ!!
تزامن ظهور “لورانس العرب” مع اندلاع الثورة العربية ضد الدولة العثمانية في مطلع القرن العشرين (1916)، أما الثاني فقد تزامن ظهوره مع الثورات العربية ضد الأنظمة الإستبدادية فهل هي مجرد مصادفة؟ وهل إثارة مشكلة البنك الفرنسي والمرور إلى العقلة على أصول، تعود ملكيّتها للدّولة التّونسيّة (وهو مشكل قديم يعود إلى حكم بورقيبة) تزامنا مع الإنتخابات ومع طرح موضوع الثّروات المنهوبة والمطالبة بتحيين العقود، هو أيضا مجرّد مصادفة؟ أم يكشف عن رغبة فرنسا في التّأثير على مجرى الإنتخابات؟!
“لورانس العرب” جاء إلى البلاد العربية، قادما إليها من المملكة المتحدة، كباحث في علم الآثار والخرائط. انتقل في أرجائها، من لبنان، إلى دمشق، مرورا بالأردن، والمملكة العربية السعودية، التقى الملوك والرؤساء، جلس مع العامة، لبس لباسهم، وأكل اكلهم، حضر أفراحهم ومآتمهم، تماما كما يفعل اليوم سفير فرنسا بتونس “أولييفيي تونس”، الذي يحتفل بالمولد النبوي الشريف على طريقة التونسيين، حيث حضرت “عصيدة الزقوقو” ويتابع المناظرات بين المترشّحين لرئاسة تونس مترجمة إلى الفرنسيّة، فهل هي طريقة دبلوماسية مبتكرة للتقرب من الشعوب ومحاولة التعرف على طريقة تفكير نخبها؟ أم هو الوفاء لنهج استعماريّ قديم، لا يبرح فكرة الهيمنة على الشّعوب ونهب المزيد من ثرواتها وإحكام تبعيّتها للمستعمر بمنطق التّهديد والتخوييف؟
تقول أخبار التاريخ أن “لورانس العرب” استغل نقمة العرب على الدولة العثمانية بسبب غطرسة الأتراك على العرب، واوهمهم انه سيعمل على مساعدتهم لتحقيق حلمهم في الإنفصال عن الدولة العثمانية، وبناء وطن قومي للعرب، بعد أن تأكد بأن الثورة التي يقودها “الشريف حسين مكة”، عربية وليست إسلامية. إذا، المهمة، ظاهرها دعم الثوار العرب ضد الأتراك، وباطنها قطع الطريق على فكرة الجامعة الإسلامية. “أولييفيي تونس” يقول اليوم بأن بلاده ملتزمة بإنجاح المسار الإنتقالي في تونس. فهل التّدخّل في الإنتخابات وهي شأن تونسي، يخدم انتقال تونس الدّيمقراطي أم يخدم مصالح فرنسا الإستعماريّة؟
حركية السفير الفرنسي في بلادنا تجعل منه أكثر وأكبر من مجرّد سفير، تذكرنا بشخصية غير محببة للتونسيين وهي شخصية المقيم العام الذي ارتبط وجوده في بلادنا بالإحتلال وبالقتل وبنهب الثروات. ويذكّرنا بأدوار فرنسا في دعم الأنظمة الإستبداديّة في عالمنا العربي وفي القارّة الإفريقيّة عموما، حتّى بعد رحيل الإستعمار المباشر..
بالعودة إلى “توماس إدوارد لورنس” الملقب بـ”لورنس العرب” عندما ذاع صيته في البلاد العربية وكسب ثقة السياسيين وربما العامة أيضا، سعت بريطانيا إلى الإستفادة منه مستغلة إتقانه للغة العربية ومعرفته بالخرائط وبتفاصيل الحياة العربية فتم انتدابه في الجيش البريطاني وتعيينه في قسم الخرائط ليكون دليل بلاده إلى مكامن القوة والضعف عند الأتراك وعند العرب، وهذا ما جعل كثيرا من النقاد يعتبرونه جاسوسا على الأتراك وعلى العرب… وهذا سفير فرنسا من بعده لم يكتف بحرّيّة التّنقّل دون غيره من سفراء العالم، بل ويتدخّل في الشّأن الوطني عندما يهدّدنا بأنّ فرنسا لن تسمح بوصول من يهدّد مصالحها إلى الحكم، بدل الإعتذار عن حقبة من التّوحّش والقتل ونهب الثّروات، مازال الشّعب التّونسي يتحمّل تبعاتها إلى اليوم.