نور الدين الغيلوفي
حدث سياسيّ كبير مِن جني ثورة الشعب التونسيّ.. خرج الرئيس من كونه إلاها يسقط على الناس بيده سوطٌ وصار تلميذا يتلو محفوظاته أمام شعب ما عاد يرضيه من الأعمال شيء ولا يقنعه من السياسيين أحد.. ولن يكون الناجي من المتناظرين أوفر حظّا من منافسيه لأنّ سياط الشعب ستُرَكَّز على ظهره.. حتّى يستقيم.. ومن الصعب على رئيس اللحظة أن يستقيم له أمر… أيّها الناس لا تُلقوا بسياطكم.
حدث سياسيّ مزلزل يشهد بأن جذوة الثورة التونسيّة لم تنطفئ رغم الرياح العاتية ورغم الترذيل المستمرّ من داخل البلاد ومن خارجها.. قلت: حدث سياسيّ يجعل من تونس شجرة تنبت سامقة في صحراء العرب القاحلة.. شجرة مقاومة تنحني ولا تسقط… ومادامت الشجرة التونسية واقفة فلن يُفلح أجلاف النفط من سكنة قصور الكلس في تعقيم أرض العرب ومنعها من أن ينبت بها الشجرُ…
المناظرة درس مفاده أنّ الشعب، رغم كلّ الذي يقال فيه، هو الأستاذ الماسك بزمام التقويم.. وما الرئيس سوى متناظر من متعدّد بين يديه ينتظر منه درجات لأجل العبور.. وحتّى ذاك الذي يكره الثورة ويلعن الشعب الذي أنجزها ويتوعّده بالمعاقبة اضطُرّ إلى أن يلبس للديمقراطية لَبوسها و”شدّ الصف”ليقول للناس “حُسْنًا” رغم أنفه.. وليس أدلّ، في مشهد المناظرة، من تجاور المصادفة بين عبير موسي وعبد الفتّاح مورو الذي تتوعّد بالقضاء على نسله في صورة فوزها…
في الظاهر كانت المناظرة بين يدي الإعلام الرديء لأنّ الإعلام هو الذي عُهد إليه بتدبير الأسئلة.. ولكنّ الحقيقة أنّ المترشّحين والإعلام كليهما في امتحان أمام الجمهور…
سيفوز في النهاية واحد من المترشّحين بالمقعد الوحيد ولكنّ الإعلام سينتظر طويلا حتّى تستويَ به الطريق…
الإعلام في هذه المناظرة مثل تلميذ راسب جيء به لإدارة امتحان آخرين.. وقد جاء هذا الراسب المُمْتَحِن بأدلّة رسوبه معه: الأسئلة وطريقة طرحها…
الناس والمترشّحون يعلمون برسوب هذا التلميذ وبعدم أهليته لإدارة المناظرة ولكنّهم يرضون بقانون اللعبة نزولا عند أولويات يمليها العقل وتفرضها اللحظة السياسيّة…
كون بعض المترشّحين تحدّث في ما لا يعنيه وبعضهم هذى بما لا يدري وبعضهم أساء الجواب.. كلّ ذلك تفاصيل في دفتر ثورة قد تخبو جذوتها ولكنّ نيرانها خافتة لا تنطفئ.. تحرق في هدوء الخِرق البالية والبعوض المحيط.. وتضيء للشعب الطريق.