أكثر ما يخيفني، مافيا السياسة والإعلام
ليلى حاج عمر
كالفقّاع أو أكثر
يتكاثرون كفقّاع مسموم تحت شجرة الدّيمقراطية، وفضل الديمقراطية أنّها جعلتهم يتناسلون تحتها وفي ظلّها عبر صراعاتهم وانقساماتهم وعداواتهم، ويتكاشفون، فتشيع السموم في لغتهم، ونرى ونسمع كل شيء. ما نسمعه يجعلنا ندرك كيف استطاعت هذه العناصر المسمومة أن تتلف خلايا الوطن كفقاعات قبعة الموت القاتلة، وأن تتلف خلايا الوعي عبر التلاعب الناعم أو المثير.
يكفي أن نقرأ ردود الفعل على الصورة العابثة لأحد أصحاب القنوات الذي كتب أنّه يغادر الوطن سعيدا حتّى ندرك قدرتهم على صنع الفقاعات الإعلامية. في الصورة التي وضعها المغادر السعيد كتاب فيليب بروتون الذي يرسم الحدود بين الإقناع والتلاعب في الديمقراطية. هكذا تسرق المعاني ويصبح الإيهام بامتلاكها أداة المافيا للبقاء. فإذا كانت الديمقراطية حسب بروتون “نظام إقناع” أساسه حرية الفرد في الاختيار عبر حق المساواة في الكلام، فإنّ وجود نظام الدعاية في نظره سرعان ما يحظر هذه الحرية بكلّ مهارة، بل يجعل الفرد لا يتفطّن إلى مكر الآلة الدعائية. وماذا فعل هؤلاء “الإعلاميون” المغادرون بسعادة غير حظر الحريّة الحقيقية على الإنسان هنا، حريّة التفكير العميق والاختيار الصائب والانتصار للمبادئ، ودفع الغالبية العظمى إلى الشكّ في كلّ شيء، وإلى تسوية الكل بالكلّ، فـ”لا وجود لمن يصلح”. بروتون ينبّه في كتابه الذي يتسلّح به الإعلامي في تضليه للرأي العام إلى أنّ الطبقة الوسطى التي تمثّل الغالبية العظمى، تدرك جيّدا البيئة العدوانية التي توجد فيها ودور الإعلام في ذلك، لكنّها لا تملك الأسلحة الكافية لفهم العدوان والردّ عليه، وهو ما يفضي إلى الميل إلى الانعزال والانغلاق وصدّ الجميع كتلة واحدة: الدعاية الإعلامية المسمومة وضجّة السياسيين وحتّى الخطاب المقنع لبعض السياسيين. وهنا موطن السوء. ومكمن الخطر: في الرفض المتساوي للجميع الذي يصنع عبر العنف الرمزي الذي يمارسة الإعلاميون التابعون لقوى المال الفاسد.
الإيهام بالتسلّح بالمعرفة، أو الإيهام بسلطة المعرفة أمام شعب غير مسلّح، درجة خطيرة من التلاعب تتمّ عن طريق الصورة، وأيضا عن طريق الخطاب الذي يوهم بامتلاك الحقيقة كاملة، الحقيقة المستندة إلى الشهادات والوثئق، في لقاءات مشبوهة تكشف بقدر ما تغالط، وتوضّح بقدر ما تموّه، وتخفي بقدر ما تستعرض.
النزول من طائرة الهيليكوبتر على طريقة جيمس بوند شكل من أشكال الاستعراض أيضا. استعراض القوّة إلى جانب المعرفة. واستعراض امتلاك القدرة أمام هشاشة الثورة.
كفقاع مسموم أو أكثر، يتكاثرون في غابة الوطن، تحت شجرة الديمقراطية الفتية وبأدواتها التقنية والمعرفية يتسلّحون. الشقّ المافيوزي في المشهد الانتخابي صار لا يخفي أساليبه وصفقاته وطموحاته. والنهاية التراجيدية، في ضوء الذهول الجماعي لأنصار الثورة في نشوة الحماس الانتخابي، ليس في أن تعود المنظومة القديمة فحسب، بل في تمكّن شقّها المافيوزي بمرور مرشّحه السّجين. آنذاك سنكتب أساطيرنا الجديدة: أسطورة أسد الأسود الذي خرج من السجن رئيسا، والشاهد الهمام الذي يرى الفساد بعينه الواحدة كوحش الخرافة، والزّعماء الأفذاذ مبارزو الطواحين، وتونس الجميلة والفقاعات السبعة.