صالح التيزاوي
صورة بائسة بقيت مطبوعة بذاكرتنا، عندما كانت الإنتخابات الرّئاسيّة، محورها، شخص واحد، توظّف كلّ أجهزة الدّولة فضلا عن طوابير اللّحّاسة والمتملّقين لمصلحته، تهدر أموال طائلة فقط على طبع صوره، لتغصّ بها الشوارع ووسائل الإعلام، ثمّ يعلن عن فوزه من بهو وزارة الدّخليّة بنسبة تسع وتسعين بالمائة، وحتّى الذين ينتقيهم بنفسه لمنافسته، ينكّل بهم (يطلعهم بهايم) فلا يمنحهم إلّا صفرا وراءه فاصل… ؟
قدّمت كوكبة من المترشّحين المناصربن لثورة سبعطاش ديسمبر (وهم الذين في دائرة اهتمامي) خطابا مختلفا عن النّوفمبريبن وعن الإستئصاليين (الشّيوعيّو-تجمّعيبن) برائحة الثّورة وأمل الخروج نهائيّا من فلك الحكم الفردي المطلق، تجاوز منطق “اللّصّ والكلاب” الذين يبحثون عن تحسين شروط التّبعيّة دون كسر قيودها المذلّة. خرجوا بالنّقاش من مجرّد محاولات بائسة لرفع سطحه لدواعي أنتخابيّة، لا تلبث أن تختفي إلى رفع سقفه لدواعي سياديّة، لا تبرح حتّى تتجذّر وتصبح مطلبا مواطنيّا يطرح القضايا الجوهريّة… الثّورة والثّروة وحلم السيادة عليهما ودون ذلك لصّ عابر للحدود، ينهب دون أن يشبع وكلاب حامية للّصوص، لا تفكّر إلّا بإشباع غرائزها.. ولا يفكرون تحت الضّغط إلّا في تحسين شروط العبوديّة والإذلال..
خطاب يزعج الوكيل والكفيل، ولن يدّخروا جهدا لوأده وقطع الطّريق عليه. فاللّصّ له خبرة اللّصوص في الإلتفاف والكلب له غريزة النّباح لحرف النّاس عن مسارهم، لا تعنيه سوى وجبة زائدة عن المألوف، ولم يعد يزعجه أن يبقى نبّاحا أو “زغراطا” يحمي اللّصّ ويأتمر بأوامر…
يزعجهم فتح ملفّ الثّروات المنهوبة، ويزعجهم فتح ملفّ ضحايا الحقبة الإستعماريّة، ويزعجهم الحديث عن البنية الجهويّة لدولة الإستقلال، ويزعجهم البحث عن بدائل تنمويّة تغني عن التّبعيّة، وينغّص عليهم حياتهم دستور الثّورة فيتآمرون على تبديله استئنافا لأفعالهم القديمة.. في كلّ موعد انتخابي يغيّرونه لملاءمته على مقاس الدّكتاتور حتّى أصبح خرقة بالية. خطاب مرشّحي الثّورة، قد لا يوصل أيّا منهم عاجلا إلى قصر قرطاج، فدون ذلك بحار من الجهل والتّزييف وتجفيف منابع الوعي، وجحافل من الإعلام المضلّل ودولة عميقة غرسها الإستبداد ورعاها لأكثر من ستّين عاما..
ولكنّه فتح الأبواب والنّوافذة مشرّعة دون مواربة على حقيقة اللّصّ وحقيقة الكلاب وسيكون له شأنه في قادم الأعوام وخاصّة في صفوف الشّباب والأغلبيّة الصّامتة.. إن حافظنا على حرّيّة يطالب الوكيل قبل الكفيل برأسها.. ليأمن اللّصّ ويأمن الكلاب ويأمن عربان الخليج… رعاة الثّورة المضادّة…