المهندس الخفيّ للانتخابات
سامي براهم
بجهد بسيط لتحليل أسئلة الإعلاميين للمرشّحين الرّئاسيين لا تجد صعوبة لفهم الخلفيّات التي تقودهم في ذلك والتي هي أبعد من مجرّد إعانة الناخبين على التعرّف على برامج المرشّحين وفهم شخصيّاتهم ومواقفهم واكتشاف أمزجتهم، بل هي هندسة دقيقة للمشهد الانتخابي المتحوّل.
وراء كلّ سؤال عمليّة تصنيف وفرز انتخابي وقصد لتحريك القاعدة الانتخابيّة وتوجيهها وتحويلها من ضفّة لأخرى، عمليّة “ديكوباج” دقيق ومدروس وموجّه للجسم الانتخابي.
حتّى يتحقّق ذلك بنجاعة يجب أن تكون فقرات الأسئلة متنوّعة بعضها لا يحتمل إلّا جوابا بنعم أو لا، أسود أو أبيض، ولا يحتمل المناطق الرّماديّة ويحرص المحاور على ذلك ولا يسمح للمرشّح بمجال التحليل الذي يمكّن من عدم التّصنيف الحدّي.
أسئلة من قبيل الموقف من المثليّة وحكم الإعدام والاغتيالات والجهاز السرّي والتّحالف مع النّهضة وعودة الرّئيس المخلوع وتعديل الدّستور والعلاقات مع بعض الدّول العربيّة وغيرها من الأسئلة التي تؤدّي إلى إعادة تفكيك وتركيب للأنصار والمتردّدين قد تصل إلى اسهداف النّواة الصّلبة للمرشّحين.
لذلك نرى تحفّظ المرشّحين عن الانخراط في استراتيجبا الجواب بنعم أو لا، حيث يحاولون التملّص لكن حرص المحاور وإلحاحه يضطرّهم لذلك لأنّ الجواب وعدم الجواب يقرأ سياسيّا وانتخابيّا.
يحرص المرشّح على المناطق الرّماديّة التي تضمن أوسع قاعدة انتخابية، ويحرص المحاور على إقحامه في زاوية الأبيض والأسود لتحجيم قاعدته الانتخابيّة وتصفيتها وإعادة توزيعها.
لذلك يضطرّ عدد من المرشّحين خشية خسارة ناخبيهم أو المحافظة عليهم وتثبيتهم أو كسب أنصار جدد إلى التعبير عن مواقف صارمة أو حديّة من هذه القضايا والتضحية بجزء من قاعدتهم الافتراضية وهو خيار اضطراريّ إكراهيّ.
يشتغل بعض الإعلام بشكل قصدي ممنهج أو تلقائيّ على تحجيم القاعدة الانتخابية لهذا المرشّح وتشتيت الأنصار من حوله من خلال تقوية مرشّح آخر يشاركه نفس الخزّان الانتخابي، وذلك لصالح مرشّح من خزّان انتخابيّ مقابل يقع إضعاف المرشّحين المنافسين من حوله بتبديد خزانهم الإنتخابي.
عمليّة هندسة للمشهد الإنتخابي بآليّة التّفكيك والتركيب الإعلام فيها هو نفسه مقسّم بين إعلام موجّه فقد المهنيّة والحياديّة بشكل مكشوف وتحوّل إلى منصّة قصف ودعاية مضادّة، وإعلام مخاتل ناعم يشتغل بحرفيّة لكن في إطار خطّة مرسومة ومحسوبة بالأرقام لهندسة المشهد الانتخابي، والقليل الذي يشتغل دون خلفيات واضحة هو خارج اللعبة والصّراع والتصنيفات.
جزء من الإعلام هو اداة صراع وفرز إنتخابي خدمة لأجندات على حساب قضايا البلد.