من سيضع بطاقات التصويت في الصناديق ؟

هادي بن علي

منذ الثورة تتالت مواعيد الانتخاب ولعلها كانت المنجز الأبرز ضمن تصور يرى الإصلاح السياسي مدخلا لكل إصلاح.. لم يكتمل الإصلاح السياسي وإن توّج جهوده بدستور وتجديد لمنظومة الحكم.. وكان متوقعا أن تتقدم الممارسة مسجلة ارتباكا وتعثرا سرعان ما أوحى للبعض بضرورة تعديل النص المرجعي الأول.. الدعوة تلك لم تكن صريحة لتأمين حسن اشتغال توزيع الحكم بين جهات يفترض تكاملها عوض تناقضها.. ورغم أن التناقض طبيعي بفعل عمر التجربة إلا أن الصريح في الدعوة لم يكن التعديل والتوازن المضيف وإنما كان أداة لاستدعاء النموذج القديم القائم على نقيض النص الدستوري المستجد ثم كشفت الحملة الانتخابية عن دعوات فجّة لإلغاء الدستور الذي بموجبه تتواجد الحملة وتنتشر.. وكوعد انتخابي للنكوص عن منجزات المرحلة الانتقالية.. وهذه خطيئة تتغافل عنها هيئة الانتخابات وكذلك الهايكا المشرفة على الإعلام.. وانتهينا إلى هيئات تقنية وكأنها تسير وتتحرك وهي في غيبوبة مستقرة..
ربما اختلفت الانتخابات الرئاسية عن التشريعية في كون المترشحين ينسّبون من حجم وعودهم بفعل التحديدات الدستورية التي سيجته في حدود بعض الملفات دون غيرها مثل الملف الديبلوماسي وملف الأمن والقوات المسلحة.. وربما اجتهد البعض في تأويل مدخل الأمن القومي الذي يمسك رئاسته الرئيس فأصبح بذلك يمسك كل الملفات من جهة أنها تنضوي ضمن الأمن القومي الذي لا يستثني من نظره أي ملف سواء كان طابعه اقتصاديا أو سياسيا أو تربويا ثقافيا.. وكان واضحا أن الاحتماء بهذا التأويل يحمل رغبة في لعب دور امبراطوري لا يبقي لغيره من مراكز السلطة أكثر من الدعوة إلى تنزيلها ضمن واقع الدولة والمجتمع حيث مازالت صورة ابن علي ونظامه طاغية على كل تصور ممكن آخر في أذهان المنظرين الكسالى.. وبدا أن السعي في ذلك ليس قائما على قناعة راسخة وإنما على فرضية استثمار وتوظيف من يستهويهم خطاب الردة وخطاب الكراهية والرغبات الغرائزية في التخلص من كل مختلف ثم ينهض باكرا ليجد من يكرههم وقد ابتلعهم البحر فأصبح الوطن جنة لا تليق إلا بهم..
يجد المنكرون للمرحلة وكذلك الناقدون لها في الملف الاقتصادي المرتبك والتنمية المتعثرة ما به يؤثثون كل دعوة.. ولم يكن المساس بمعاش الناس مما يمكن تغافله.. حيث لا تنفتح آفاق الشغل إلا بعسر شديد.. وقد راهنت النهضة على بناء مؤسسات الدولة و تغافلت عن شروطها و منها معاش الناس.. وراهن الشاهد على رفع الدعم وإصلاح منظومة التغطية الاجتماعية وتقدم بالبلد إلى حالة من الغلاء والتضخم..
ولكنه مع ذلك تقدم للانتخابات كلها ليكون رئيسا وليكون ماسكا بالحكومة والبرلمان.. ولم يتوقع أن يسأله أحد إن كان ما فعله كافيا لانتخابه أو عقابه.. وبدا في الأذهان أن الذي لا يكترث بمشاكل الداخل معيارا للقبول والرفض يراهن بشدة على الدعم الخارجي..
وربما سأل أحدنا إن كان الخارج هو الذي سيضع بطاقات التصويت في الصناديق؟
وربما أجبنا تلقائيا بالنفي أو بالإثبات لكن إشارة مهمة تحضرني في نقد الوضعية المشكل كمقاربة بيداغوجية وهي أن تضع في طريق المتعلم ما يظن أنه اكتشفه بنفسه.. تبدأ الخديعة من هنا حيث مداخل التحكم في المجتمع والدولة وحيث لا يمكن توقع مفاجأة أكثر مما تسمح به المقادير..

Exit mobile version