Site icon تدوينات

لو كنت رئيس الجمهورية ليوم واحد فقط

كمال الشارني

كمال الشارني

كمال الشارني

إلى صديقي اللدود نور الدين العلوي:  
سأستيقظ فجرا، وأراقب حركة تغيير الحراسة الرئاسية بفضول غريب قائلا: “يا للهول، كل هذا لأجلي أنا”، إنما سوف تغلبني الأنانية والحرمان، فقط لكي أتأمل طلوع الفجر من رصيف القصر الرئاسي، ولو مرة، لأرى أضواء مراكب صغار صيادي السمك تبحر في ضباب بحيرة تونس متسائلا عن السر الذي يدفعهم إلى ذلك الجهد اليومي الخرافي بمجرد حلم متجدد، متسائلا أيضا عن فارق الثمن بين ما يبيعونه وما يصل إلينا، ليس هذا، يجب أن أصعد إلى أعلى مكان في العاصمة، فج الريح في المنار مثلا، وحيدا، لكي أرى، وأنا في رأس السلطة، إنما دون حضور الحرس الرئاسي والقوات الخاصة والقناصة والمدفعية لحمايتي، نحل الوطن من النساء والرجال يزحف في الظلام نحو أماكن العمل لصنع العسل لكبار الوطن، في تلك الحافلات المتهالكة الهاربة بنصف حمولتها البشرية التي تتدلى من أبوابها، لكي أستذكر الصورة الوحيدة الحقيقية لهذا الشعب المقاتل، باكيا من أجل الأطفال والرضع الذين تركوهم في حماية الله من أجر الخبز، الحد الأدنى من الأكل.
بعدها، ابدأ يومي الرئاسي بتقسيم أجر “يوم العمل الرئاسي” أي ألف دينار على المدارس الأقل حظا في الوطن حيث لا توجد بيوت راحة للفتيات الصغيرات، ثم سأقرر أن كل مخصصات الأكل الجمهوري لذلك اليوم ستلحق بمرتبي اليومي إلى المدارس: سوف نشتري الخبز ونصنع سندويتشات عياري رئاسية حتى للضيوف، سأقترح على الموظفين أن يتبرعوا بيوم العمل معي أيضا، حسنا، جاءت الأمور المهمة في يوم واحد مع بعضها:

إنما عندي أمنيات سخيفة في مثل ذلك الوضع: أن أظهر لأحد عمال النظافة، أو لجنود في الصحراء بصفتي الرئيس، “لا تهتموا أيها الرجال، جئت للاطمئنان عليكم، أحب أن أقبل جبين أحد منكم باسم رئاسة الجمهورية”، عند السابعة مساء، أحب أن أعود إلى فج الريح لكي أرى عودة نمل الوطن، خصوصا الأمهات العائدات، وأن أتخيل فرح الرضيع برائحة أمه التي فقدها منذ الفجر، ثم أعود، آخر نصف ساعة في يوم رئاسي أحب أن أرى فيه البحر من الرصيف الرئاسي الفاخر، الصمت الذي تفرضه السلطة الجبارة على ما حولها، رؤية البحر يسودّ في الأفق، ما أسوأ السلطة، ما أوسع الوطن.

Exit mobile version