عبد اللطيف علوي
منذ سنتين، وفي مثل هذه الأيّام المباركة (تحيّة إلى خالتي مباركة!)، شهدت بلادنا حدثا عاطفيّا استثنائيّا، حدثا تاريخيّا بأتمّ معنى الكلمة، لكنّه للأسف لم يحظ بالاهتمام الكافي ولم يقع استثماره وطنيّا كما ينبغي…
هذا الحدث، هو بلا منازع وبكلّ فخر، إضراب الجوع العاطفيّ الّذي خاضته بكلّ شجاعة واقتدار المحامية الحقوقيّة راضية النّصراوي لمدّة 45 يوما (اي نعم 45. آش بيك تضحك؟ نكذب عليك أنا؟)، حدث كان يمكن استثماره سياحيّا، من أجل التّرويج للوجهة التّونسيّة كمركز عالميّ للسّياحة العاطفيّة، لكننا، مرّة أخرى ضيّعنا الفرصة، ومررنا بجوار التّاريخ.
الحقيقة أنّ الكوبل حمّة وراضية، ما انفكّ يقدّم نفسه منذ فترة طويلة كحالة عاطفيّة نادرة، تذكّرنا بروميو وجولييت، وقيس وليلى وعروة وعفراء، والبرني والعترة…
ثنائيّ رهيب عجيب، لم يفوّت فرصة إلاّ استغلّها ليسرق الأضواء، ويصنع الحدث، ويغذّي مخيّلة العشّاق بأروع الصّور والمشاهد واللّقطات الحميمة السّاخنة… رأيناهما في افتتاح مهرجان قرطاج، ويا للذّخامة، كانا رائعين، جذّابين ساحرين حالمين كطائرين على موعد للغناء، دخلتهما جعلت دخلة براد بيت وأنجلينا جولي تبدو دخلة كئيبة باهتة بلا سحر وبلا إيحاء…
رأيناهما كذلك ذات مؤتمر، في لحظة عناق صاروخيّ مؤثّر، حمّة يحملها بين ذراعيه كفرسان الأساطير الإغريقيّة، وهي تطير وتحلّق كفراشة بأجنحة من نور، وتنظر إليه تلك النّظرة العابرة للقارات والمجرّات والأفلاك والكوسموس، لتستقرّ في قلبه الطّريّ الأخضر (عفوا الأحمر، باعتبار المطرقة والمنجل).
وللمرّة الأولى في تاريخ العشق والعشّاق، تضرب الحبيبة عن الطّعام من أجل حبيبها الّذي يستمرّ في الأكل والشّراب والضّحك والغناء والتّدخين والتّنزّه وممارسة مهنة البطالة الشّاقّة، وللمرّة الأولى نرى بركات الحبّ على وجه راضية بعد خمسة وأربعين يوما من الإضراب، حيث ازدادت نورا وتألّقا ونعومة وجمالا وبهاء ودلالا، عكس ما كان يظهر على أولئك الّذين يسمّون أنفسهم “مناضلين سياسيّين”، أولئك الّذين خاضوا إضرابات مضحكة فاشلة في عهد بن علي، لكنّ أجسادهم أنهكت وانهارت منذ الأسبوع الأوّل، ووجوههم جفّت وشحبت كقشرة ليمون يابسة، وأصواتهم تهدّجت وحركاتهم ثقلت وذاكرتهم ضعفت وألسنتهم عقدت وأنفاسهم تقطّعت…
كلّ ذلك صرنا ندرك اليوم تفسيره بشكل علميّ دقيق لا غبار عليه، وهو أنّها كانت إضرابات لم تباركها الآلهة، لأنّها لم تقم على الحبّ الصّافي النّقيّ، وإنّما قامت على الكراهية البغيضة، الكراهية لنظام بن علي وأعضاد بن علي…
راضية قفزت بحكايات الحبّ وأعطتها أبعادا أمميّة ستملأ الدنيا وتشغل الناس لعصور وعصور، فقد كان بديهيّا أن تضرب العاشقة التي يتقدّم الحبيب لخطبتها فيرفضه الأهل، سمعنا عن نساء ينقطعن عن الطّعام حتى ترضخ العائلة، لكنّ راضية خاضت إضرابها ضدّ الدّولة، لأنّها غيّرت منظومة الحماية لحبيبها، الّذي هو في الأصل ابن الشّعب ، ومن المفترض أنّه حبيب الشعب وفي حماية الشّعب… لكنّ الحبّ أقوى من الشّعب ولا يعترف بالشّعب…
وفي تلك الأثناء، كان ابن الشعب يعدّ لحبيبته السّلطة المشوية والكسكس بالمسلان والبيتزا والعجّة بالكروفييت، كي تتغذّى جيّدا وتتمكّن من الصّمود في إضراب الجوع حتّى النّهاية وتسقط المؤامرات الّتي ظلّت تتبعه باللّيل والنّهار.
نتمنّى أن يأتي يوم ونرى فيه أسطورة “حمّة وراضية” في أثر فنّيّ عالميّ مبهر، فيلم تنفق عليه المليارات من الإمارات مثل فيلم الرّسالة أو عمر المختار… فيلم يعيد الأمجاد لقصص الحبّ العظيمة، في عالم أفسدته خالتي مباركة بجشعها وطمعها الشّقيّ في الفلفل الأخضر…
أيّها العالم:
ليس بالفلفل وحده يحيا الإنسان.
#عبداللطيفعلوي