العشاء الأخير …
علي المسعودي
معضلة هذا الشعب الكريم أنه لم يعرف طريقه إلى حد اليوم. فلا هو قام بثورة، ولم يعد يخشى الردة، ولا انصلح حال النخبة، فما عاد يخشى السلطة. فبقي أعداؤه يتحينون غفلة منه حتى يثبتوه على الصليب ويقتلوه تنكيلا وتعذيبا، تماما كما كان المسيح.
كل الدلائل تشير إلى أن الخامس عشر من شهر سبتمبر هو بفظاعة العشاء الأخير كما تخيله دافنشي قبل خمسة قرون. سيحتفي الشعب بمرشحيه، وسيجعل منهم رسله وحوارييه. وهو يعرف في قرارة نفسه أن من بينهم يهوذا الاسخريوطي، المؤمن المعمم الذي سيبيعه ليهود النظام القديم، ليس لقاء ثلاثين من الفضة، ولكن لقاء ثلاثين من السلم بعيدا عن ظلام السجون.
الديموقراطية الفتية، هذه الحسناء التي أحبها الشعب وأحبته، هي بمقام مريم المجدلية. وكما في المسيحية، سيقع تأثيمها وتجريمها حتى لا تنزع عن الحاكم هالة التقديس. سيقع إذلالها، حتى وإن سكنت وجدان الشعب وتهيأت له أو تهيأ لها في هجوع الليل او النهار.
الرسول بطرس، هذا الصياد والمزارع الصغير، هذا الذي يرمق مريم المجدلية شزرا، ويتوعدها غدرا.. هذا الذي يصغي لمعلمه بأذنيه، ويغرس خنجره في خصر جليسه بإحدى يديه، سيكون الحاكم والبابا من بعده.. بعد ان يعلق الشعب على الصليب. سيكرس البابوية لإخوته وبنيه، وسيسجد المؤمنون في كل مناسبة عند قدميه. سينصاع له الحواريون، وسيكتبون في وصاياهم أنه حامل الامانة وصاحب الرسالة وخادم الشعب الكريم تلك أمانيهم.
الشعب لن يقتل على أي صليب، ولن تاخذ روحه قوة مستبد يافع او عجوز. لن يصلبوه، ولن يقتلوه.. ولكن قد يشبه لهم.. ومريم المجدلية ستحبل يوما حملا صادقا من هذا الشعب.
(.. فليس عبد أعظم من سيده، ولا رسول أعظم من مرسله..)