البدايات قد تفسّر النّهايات
سامي براهم
الإعلان عن قرار حلّ حزب سياسيّ حمل أحلام مؤسّسيه وطموحاتهم وأشواقهم أمر مؤلم ومحزن ومأساويّ، لكنّه قرار مسؤول وشجاع ونزيه وهو أفضل من بقاء الحزب اسما بلا مسمّى “باتيندا” صوريّة أو تحوّله إلى حزب مناولة وظيفيّ يستمدّ وجوده وبقاءه من ارتهانات وتمويلات مشبوهة تجعل منه أجيرا لدى جهات في الدّاخل أو مكفولا لجهات في الخارج.
السّؤال الذي يجب طرحه ليس فقط لماذا حُلّ هذا الحزب أو ذاك سواءً كان بقرار إراديّ واعٍ من منظوريه أو بحكم الأمر الواقع بل كذلك لماذا تأسّس ابتداءً ؟ وهل لملابسات تأسيسه علاقة بتعثّره وحلّه لاحقا ؟ حيث تحمل بعض تجارب التنظّم السّياسي والمدني الجمعويّ بذور تعثّرها أو فنائها منذ تأسيسها.
ثمّ لماذا انفصل مناضلون سياسيّون عن أحزابهم الأمّ ونجحوا في بناء تجارب جديدة بينما تعذّر الأمر على آخرين ؟ “التيّار الدّيمقراطي” نموذجا حيث أسّسه أعضاء سابقون في حزب المؤتمر من أجل الجمهوريّة ونجحوا في نحت تجربة جديدة ناجحة شكّلت قطيعة وتجاوزا وتمايزا عن الحزب الأمّ.
ربّما هذا المثال يقدّم لنا جزءً من الجواب حيث لم نر حزب التيّار الدّيمقراطي ينخرط في مناكفات مع حزب المؤتمر من أجل الجمهوريّة ليصنع تمايزا وينحت هويّة جديدة بالمضاددة بل بحث عن عناوينه الخاصّة وخطابه الخاصّ وانفتح على روافد جديدة بعيدة عن حزب المؤتمر كما لم يتورّط في إعادة إنتاج الأخطاء التي كانت محلّ انتقاد والتي من أجلها انفصل عن الجسم الأصلي.
أكيد هناك أسباب ذاتيّة وموضوعيّة عديدة لقيام الأحزاب وبقائها أو انهيارها واندثارها تحتاج دراسات سوسيوسياسيّة معمّقة، ولكن يبقى النقد الذّاتي والتقييمات التي ينتجها الفاعلون في الميدان هي المرجع الأساسيّ المباشر للفهم والتّحليل وتفسير الظّاهرة.