الشاهد هل بقي له ما يخاطب به الشعب ؟
أبو يعرب المرزوقي
حاولت فهم خطة الدكتور الزبيدي وعرضت الاحتمالين مع ترجيح الأسوأ بسبب التلميحات البينة لكل ذي بصيرة.
وقد تأكدت من ذلك عندما استمعت الى المعايدة التي قدمها وآخر كلمة جاءت فيها في تهنئة نساء تونس مشيرا إلى “نمط المجتمع” ناسيا أن من يعتبرهن ممثلات لهذا النمط قلة قليلة لا تمثل 1 في المائة من نساء تونس وأن البقية عبيد إما لقانون العمالة في الشركات الأجنبية أو للمزارعين ولبعض المرفهين من اهل المدن الذين يستخدمون بناتهن خادمات مثل الآسيويات في الخليج.
وقلت لمن يدعون الدفاع عن قيم الثورة إن تفتتهم هو الذي سيمكن الثورة المضادة من تحقيق ما تحلم به.
وقلت للإسلاميين -إذا كانوا يفكرون في المستقبل ويستعدون له- إن معارضة وازنة أفضل ألف مرة من طمع في سترابونتان لأن ذلك سيكون عونا للأعداء في تحقيق كل أهدافهم وأكل المشوي بأصابع الإسلاميين. وأضيف لهم ملحوظة سريعة لعلهم يفهمون قصدي منها: لا أستطيع أن أفهم من يريد أن يخوض انتخابات في هذا الظرف بالفلكلور الشعبوي أو الديني وبمنطق تقديم العاجل على الآجل ضمن استراتيجية لمرحلة انتهت مع السبسي ولن تتكرر مهما بقي للطامعين في السترابونتان من أمل.
أما القروي وكل من يستثمرون في الفقر ونفاق المساعدات فقد افل نجمهم لأن المخاطبين بهذه الوسائل لا يقررون لمن يصوتون بل من سيقرر هو من استعاد دوره أعني من كانوا يسيرون القرى والدشر والشعب المستتبع من الاعيان فيهما مع المافيات في المدن ومن ثم فهؤلاء سيتبعون الخطة العامة التي وضعها من ينوي استعادة النظام القديم.
القروي وموسي وهلم جرا انتهى دورهم.
بقي على كملاحظ اعتزلت السياسة منذ استقالتي سنة 2013 أن أحلل الأوضاع وأسهم بوصفي مواطنا اعتبر ابداء الرأي واجبا وليس حقا فحسب أن أقول كلمة للشاهد الذي أعتبره في مأزق حقيقي ويمكن أن يخرج منه إذا كان بحق صادقا في كلامه على المرحوم حسيب بن عمار فيكون عونا للثورة. ورغم أني لا احب الجهويات والطبقيات والجنسانيات (الجندرية) والدينيات والنقابيات وهي ثلاثتها مستعملة حاليا من أعداء الثورة والإسلام فإني اعتقد أن دور “تونس العاصمة والبلدية” قد يساعده في الخروج من المأزق إذا استعمله برؤية المرحوم حسيب بن عمار لأن التزامه سيخرج تونس من المقابلة بلدية أفاقيين وعاصمة ساحل وهو ما يمكن أن يعدل الكفة في حكم تونس لتتجاوز هذه الأمراض التي خربت حياتها السياسية والاجتماعية والحضارية والروحية والتي جعلت بعض الحمقى يتكلمون على فصيلتي دم احمر واسود بين التوانسة أعني مشروع حرب أهلية لا تبقي ولا تذر.
ذلك أني أفترض أن الاستراتيجية التي اختارها الزبيدي محليا واقليميا وما للبعد الدولي فيها من دور يتجلى من دور المحليين والإقليميين ومن بصمتهم في خطته ذات الخمسة أبعاد التي شرحناها في محاولتين سابقتين لم تبق له أي إمكانية لوراثة حزب السبسي أعني:
- المسألة الأولى ودلالاتها.
- مسألة الدستور ودلالاتها.
- مسالة المسالحة ودلالاتها.
- مسألة التنسيق مع القوات المسلحة ودلالاتها.
- وأخيرا مسالة العلاقة مع سفاح دمشق ودلالاتها.
فإن الشاهد لم يبق له ما يبيع إذا ظل يلعب على الحبلين لعله يرث السبسي وحزبه الذي تفتت لن يجد ما “يمشمش” فقد عين السبسي وريثه الذي اختار تقريبا بنفس الاستراتيجية التي قادت جبهة الانقاذ الأولى بقيادته وحسم الأمر. وعليه إن ظل طامعا في بقايا حزب السبسي أن “يسكر الحانوت” فضلا عن كون كل محاولة لاستغلال الدولة لم يعد ممكنا لأن القيمين على اجهزتها سيختارون صفهم بالنظر إلى مستقبله السياسي وليس إلى حاضره الذي هو آفل إن واصل عدم الانحياز الواضح ضد من يناصبونه العداء وهم معلومون وما أظنه يجهلهم: فهم من أجمع على الإطاحة به وأوصلوه إلى الانقلاب الصريح على “عرفه”.
لكني أذكر أنه تكلم على “خاله” ويقصد خال أمه المرحوم حسيب بن عمار إذ لا يمكن أن يكونه هو ابن جدته للأم. وأعتقد أن أمه كانت زميلتنا ورئيسة الوفد الذي بعثه حزب بورقيبة إلى ألمانيا سنة 1964 في ضيافة الحزب الاشتراكي الألماني.
ولما كان شابا فإن مستقبله يمكن أن يكون في المعارضة بقيم خاله وهي قيم قد تؤهله وحزبه إلى الحكم الموالي للفشل الذريع الذي ينتظر حكما يريد أن يكون “راستوراسيون” لما قبلها. أما الطمع في الحكم بعد أن قررت الاستبليشومونت استبداله بالزبيدي فلا حظ له فيه.
وإذن فالاستراتيجيا الانجع له ولكل من يتكلمون على الانتقال الديموقراطي وقيم الثورة -إن كان حقا يؤمن بهما كما يعلن في بياناته في المجلس- أن يفكر فيما بعد الانتخابات وليس فيها، أي في المشاركة معهم -وقد أشرت إلى أنهم هم أيضا عليهم أن يفكروا بهذه الطريقة مشيرا إلى أن المعارضة الوازنة هي الهدف الواجب حاليا- حتى يفتكوا السلطة التشريعية التي ستضطر النظام العائد إلى أحد حلين:
- إما الانقلاب الصريح على الديموقراطية والبداية بما انتهى إليه ابن علي وهو أمر لا مستقبل له.
- أو التخلي عن أحلام النكوص إلى ما قبل الثورة ومواصلة الإصلاحات الديموقراطية ولو باحتشام.
كيف ذلك؟
إذا تعزز صف الثورة والانتقال الديموقراطي بحزب يعتمد على فكر المرحوم حسيب ابن عمار بحق -وقد عرفته وكتبت في جريدته الرأي وشاركت مع القلة التي أسست نواة جمعية حقوق الإنسان وفي استقبال وزير العدل الأمريكي وقد كنا سبعة لا أكثر- فقد يكون له مستقبل مستقل عن جبهة الرز بالفاكية (وهو على كل مستهدف من أهم داعميها أعني الاتحاد) والشروع في خط طريق يمكن أن يجعله مساعدا فعليا على تحقيق الصلح العميق بين كل أبناء تونس فلا يواصل الغموض في الحلف مع الشقين الإسلامي على حرف ومن يدعون أنهم أصحاب الدم الاحمر الذين ينافسونه ويسندهم صف الثورة المضادة في الداخل والخارج.
فهؤلاء اختاروا صفهم ومعهم الاتحاد والجبهة الشعبية في جبهة تتبع الثورة المضادة في الإقليم وقد يوصلون تونس إلى ما اوصلت إليه الثورة المضادة كل بلد عربي تدخلت فيه فأحدثت فيه فتنا لا حد لها ومن علامات ذلك علاقات بعض من “غمزتهم” خطة النقاط الخمسة وعلاقاتهم بحفتر والسيسي وبشار.
والله يستر تونس من كل المتآمرين على مستقبلها وأمنها مستقبل شبابها العاطل خاصة لأن هؤلاء قد يلجئهم هذا السلوك إلى موجة ثورة ثانية لا تبقي ولا تذر كما هو متوقع لكل بلاد العرب التي تدخلت فيها الثورة المضادة لأنه ما سيترتب عليها هو الجوع والفقر كما نرى ما يحدث في مصر واليمن وليبيا فضلا عن سوريا.