الخال عمار جماعي
ما كان “عبد الله المعياري” ليفعل الذي فعل لولا أنّ أحدهم قد وشى بي عنده! …
فقد كانت عشايا الصيف بريحها الرّخوة تغري “المعياريّ” بالتخفّف فيُقبل على المجلس كطائر أبيض و جبّته كجناحين… فتغضّ الجماعة البصر عمّا تراه الأعين ممّا تشفّ عليه الجبّة، فذاك لا ينقص من هيبة الرجل وما يحمله صدره من علم المعيار !… فقد تأبّط كتابه كما يتمنطق المقاتل سيفه وجاء !
أعلم أنّه كاره لـ”الذراوين” من أمثالي فأسبق إلى مجلسه وأقعى وراء شيخ لنا كبير العجيزة متكّئا فإذا غرق في تعاليمه المعياريّة نسيني !… حتى كان الذي كان ممّا يأتيه “عبد الله” فلا يلومه قومي !
كعادته في تصدّر المجلس، ضمّ “المعياريّ” جناحي جبّته عند مفرق فخذيه وتربّع ووضع كتابه في حجره وطاف ببصره وقال متبرّما: “توّة هذي بلاد ؟! توّة هذا وضع ؟!… توّة هذي أمّارك الواحد يصبّح فيها ويتمسّى ؟!”… ران صمت المنتظرين وكلّهم لا يدري من المقصود بـ”الأمّارك”، هم أم غيرهم ؟!… فأكثر ما يستعمل المعياري لسبّهم هو “المعيز الحايل” فصبروا حتى ينجلي الأمر !
قال: “البارح في الأخبار… والعزوز تقضقض فيها السخانة… ما نشبح كان في الأمّارك تقول معيز طارد… ينشّو بذيولهم علينا”… انبسطت أسارير الجلاّس فليسوا هم المقصودون بـ”الامّارك” اذ لا أحد منهم ظهر في تلفزة العاصمة ! لكن حكاية “المعيز” هذه أزعجتهم فنظر بعضهم إلى بعض… وأقبلوا من جديد على “عبد الله المعياري”.
قال: “كلّ واحد في ها الوضع المنكوح جاي مادّ فوقيرته ويدوّر يتريّس ! درا هملي هيّ؟! الرّاجل مدّ السبديرة من هنا والجماعة تناقزت من هنا… وكلّ حدّ يقولنّا وصّوه على البلاد… بدينا مبرجة يا رجال !”
ثمّ فتح كتابه وطفق يقرأ من علمه: “وجاء في أخبار الأمم أنّ تهالك النّاس على الرّئاسة هو كإقبال الرجال على النّساء والطمع في افتراعهنّ … وهذا وذاك قاطع للرقبة…”.
لم أصبر حتّى قلت مجاملا متوددا: “بالله شنهي حال العزوز اليوم عم عبد الله ؟”
فقال متبرّما: “شبيها ؟”… إلتفت إليّ الجماعة وأشار إليّ أحدهم !
أجبت واثقا بعد أن أظهرت له نفسي: “ماك قلت تقضقض فيها السّخانة البارح ؟”
حين رأيته يلتفت يمينا ويسارا باحثا في الأرض علمت أنّي لن أسلم منه فأسرعت… غير أنّي سمعت طنّا عظيما في قرن رأسي ! كان الحجر قد شجّه فسال دمي… و”عبد الله المعياري” يرغي ويزبد بكلام خشن لم أتبيّن منه إلاّ : “ماني نبّهت عليكم ! ها الذراوين ماعادش يدورو بساحتي”…
فها أنا الآن أحمل ضمّادتي على رأسي… كثور استراتيجي !
“الخال”