الزبيدي ليس لطفي براهم..
نصر الدين السويلمي
تداول على تونس بعد ثورة سبعطاش ديسمبر عشرات الشخصيات السياسية ذات التاريخ الاسود او الملوث أو المشوب، بالتأكيد ليس منهم عبد الكريم الزبيدي، لأنه وبجولة دامت ليومين في ارشيفه وارشيف خصومه الذين يلاحقونه بالحقائق والاشاعات، لم نجد الا الحشو وبعض التجاوزات العادية مقارنة بعتاة المجرمين الذين مروا على هذا الشعب “فمرروا” عيشته وما زالوا يأكلون في غلته ويسبون ملته.
ليس للزبيدي تجاوزات تذكر ربما لأنه في طبعه لا يميل الى المغامرة ويجنح إلى الهدوء، بعد متابعة شبه دقيقة لمسيرة الرجل وملابسات ترشحه، يمكن القول أن المشكلة في الطبقة الطفيلية التونسية التي اغرته بالمنصب وحسنت له شروط الفوز، وليست المشكلة في الزبيدي، فالرجل كغيره لديه طموحات طبيعية مثل الجميع، ومن لا يطمح الى اعتلاء اعلى منصات تونس السياسية! تلك طموحات مشروعة ما تجنب أصحابها استعمال الوسائل القذرة والأدوات الملوثة والغير معقمة. وإذا ما تابعنا أسهم الزبيدي من غير الحقائب الوزارية فسنكتشف أن اسمه طرح على استحياء لتأثيث القصبة خلال صراع تكسير العظم بين رئيس الحكومة يوسف الشاهد وابن رئيس الجمهورية حافظ قائد السبسي، طرح اسم الزبيدي بخجل لان مجموعة حافظ كانت منشغلة بجبهة اخرى، حيث قامت بفتح قنوات تواصل مع مجموعة النفوذ الجهوي الداعمة والدافعة للعميد لطفي براهم، الذي تم حرقه بعد أن دفعت به الوساطة النافذة الى الرياض وارسلت التوصية ليتم استقباله بتلك الطريقة الاستعراضية الغبية المستعجلة، الى درجة قام فيها الملك سلمان بقطع فترة نقاهته واستقباله وتوثيق ذلك كنوع من الدعم، فكانت القاضية.. تلك عملية مريبة عايشناها وقدمت فيها الجهات المسؤولة تبريرات واهية معتلة، وكان الصحفي الفرنسي نيكولا بو نشر مقالا طويلا عن عملية انقلاب أُعد لها في جزيرة جربة بين وزير الداخلية التونسي الاسبق لطفي براهم ورئيس المخابرات الاماراتية، وقد جاء في بعض فقرات المقال “رسم كل من الوزير التونسي وضيفه الإماراتي خارطة الطريق التي كان من شأنها أن تؤدي إلى تغييرات تمس رأس هرم الدولة، عبر إقالة الشاهد، وتعيين كمال مرجان بدلا منه، وإقصاء السبسي من رئاسة تونس لأسباب طبية. هدف المخطط الأول كان إبعاد إسلاميي حركة النهضة عن الحياة السياسية التونسية بشكل نهائي”، والصحفي نيكولا بو هو صاحب كتاب “حاكمة قرطاج” الذي نشره سنة قبل وتعرض فيه الى اسرار ليلى الطرابلسي زوجة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
لما اقتنع يوسف الشاهد بخطورة براهم خرج عن تردده وأقدم على اقالته بتاريخ 6 جوان 2018، حينها ارتفع نسق التواصل مع الزبيدي، وتطلب الأمر مساعدة من رئيس الجمهورية الذي تدخل بتاريخ 15 جويلية 2018، ليطالب الشاهد ولأول مرة بالاستقالة، او الذهاب الى مجلس النواب لتجديد الثقة، حينها بدا السبسي الابن وبعض مساعديه في التواصل مع 2 او 3 شخصيات كان ضمنهم عبد الكريم الزبيدي، والارجح انهم اختاروا الزبيدي لنفس الشروط التي رُشح بموجبها اليوم للرهان على منصب رئاسة الجمهورية، ذلك ان الكثير لا يراهنون على الزبيدي التجربة، وإنما يراهنون على الزبيدي “البكر” الذي لم ينخرط في سجالات سابقة ولم يعرف بتلك الانحيازات الحادة، ومن ثم كلهم او جلهم يعتقدون أن شخصية الزبيدي فارغة يمكن شحنها بما يريدون، تسابقت الكثير من القوى لاستغلال الزبيدي المطيع او الزبيدي الفارغ او الزبيدي الغامض على امل استعماله في المستقبل، يعتقدون انه الفترينة اللينة المطيعة التي سينفذون بها ومن خلفها كل مشاريعهم على اختلافها.
تلك رغبة او ربما شهوة قد تطيش وقد تصيب، لأنه لا احد جرب الزبيدي ليحكم على سهولة انقياده، هي اذا مغامرة لها شواهدها الإقليمية، يجب أن لا ننسى ان طبقة سياسية كاملة في مصر جربت حين اعتقدت ان الجنرال الابله سيشطب لهم الإخوان من الساحة ثم يأتي إليهم على خجل ويسلمهم السلطة بينما اللعاب يسيل من أوداجه، فتحول الابله الى شيطان ماكر واحالهم على التقاعد المبكر وقبل ذلك قزمهم وابتزهم عبر مئات الأشرطة كانت المخابرات تعمل عليها قبل سنة بقرار منه.
ليس الزبيدي مثل براهم ذلك من التحصيل الحاصل، لان العصابة كانت تعول على براهم رجل الأمن القوي الذي سيبطش وتبطش هي من خلفه، أما اليوم فهي تعول على الزبيدي رجل السياسة العيي الذي ستنصبه ثم تستعمله، ثم ان المجموعة التي عملت خلف براهم كانت مسكونة بالهواجس الانقلابية اما المجموعة التي تعمل خلف الزبيدي فهي مسكونة بالهواجس الانتهازية، رغم ذلك لا تغيب اطراف الهاجس الانقلابي الداخلي والخارجي وكذا الهاجس الانتقامي وغير ذلك من الهواجس.. خلف الزبيدي تتزاحم شخصيات كثيرة في صفوف طويلة، صفوف أطول من حلم الإمارات بكثير وأقصر من خيبة التبيني بقليل..