ثورة اليمن الثانية شباب اليمن كفيل بالتحدي
أبو يعرب المرزوقي
ما يجري في اليمن من الأدلة القاطعة التي تثبت أن الأميرين المسؤولين عنه غفيران وليس لهما من الإمارة إلا الحلم بإدارة الدعارة. فبعد أن خلع سلفهم بوابة الشمال (العراق) وسلمها إلى إيران هاهما يخلعان بوابة الجنوب (اليمن) ليسلماها إليها “هناني بناني” دون أن تبذل قطرة دم واحدة من أبنائها.
عملوا باستراتيجية عكس الحكمة الشعبية المصرية “الباب إللي يجيك منه الريح سده واستريح” فصارت “ما كان يصد عنك الريح اخلعه واستريح”. كانوا يتصورون أن عدوهم هو قوة العراق وقوة اليمن فعملوا ما يستطيعون للإطاحة بالقوتين وتسليمهما إلى العدو الحقيقي فأعدا نهائيا لنهايتهما القريبة.
لن يفيدهم الاستسلام لإيران الذي بدأ في أبو ظبي مقدمة لاستسلام الرياض بعد أن تبين لهم أن مستشار “عرِّيفهم” اللبناني فاسد الخلق وحقير الطبع ضحك عليهم لما أوهمهم أنه سيمكنهم من نفوذ وسلطان على القرار الأمريكي فتحارب من أجلهم القوة التي ساعدوها في الاستحواذ على جل بلاد العرب المشرقية وبعد كذبة “مسافة السكة”.
لا يحتاج المرء لفكر استراتيجي لقراءة تفكير غفراء يعتبرون أنفسهم أمراء. لما أسمع بحاكم عربي تخرج من مدرسة عسكرية أمريكية أو انجليزية أفهم مباشرة أنه مجرد أحمق غسل مخه وصار دمية بين أصابح المخابرات يسير عن بعد بخططهم وعن قرب بعملاء لهم يسمون خبراء يكونون غالبا من “عرب” الشمال.
لم أتمالك حتى يوم العيد من السكوت على ما يجري في اليمن. واعتقد جازما أن حزب الإصلاح لم يعد له ادنى مبرر للهروب من المعركة. فما يسمى بالشرعية رهينة في الرياض ولم يعد يمثل شيئا وعلى الإصلاح أن يتصدر المعركة وأن يقود شعب اليمن في ثورته الحقيقية ضد عملاء إيران في اليمن بنوعيهم: يكفي الإسلاميين “تدرقا” وعليهم تحمل مسؤولية المعركة التي يفرضها التاريخ. فعملاء إيران في اليمن نوعان:
- الحوثيون الذين يعادون الإسلام السني بالجوهر لأنهم يعتقدون أن الله بحاجة لنصرهم وأن الإسلام جعلهم أوصياء على المسلمين لحكمهم بالحق الإهلي مثلهم مثل الشيعة.
- ومن تصورهم في البداية أداة لضرب من يسمونهم اخوان من الإسلاميين وهم يقصدون كل من فضلهم الشعب ليكونوا ممثلين لثورته في كل بلاد العرب من تونس إلى سوريا ومنهما ومما بينهما إلى اليمن.
وهؤلاء خافهم الإصلاح ظنا أنهم أقوياء.وألئك قوتهم جاءت من جبن هؤلاء وخيانتهم للامة والإسلام. هاهم قد استسلموا لإيران. وأنا واثق أن شباب اليمن الذين حققوا الموجة الأولى من الثورة اليمنية السلمية قد حانت فرصتهم لاستئناف الثورة المتعددة في موجتها الثانية:
- ثورة توحيد اليمن الحقيقية ضد خدعة الطالح.
- ثورة التحررحكم العسكرمن أجل الحرية و الكرامة.
- ثورة التحرر من الكهنوت الذين يدعون الحكم بالحق الإلهي بكذبة آل البيت.
- ثورة التحرر من سيطرة “أغنياء العرب” الذين لم يكفهم تجارة الخام يسعون للعودة إلى التجارة الأولى أعني تجارة المواخير لحكم شعوب ما تزال لحسن الحظ رافضة لهذا الحط من كرامتها وعزتها وهي من ثم حليفة للشباب اليمني إذا استأنف ثورته.
- وأخيرا ثورة الثورات: تحرير العرب من آل بيت كسرى بقناع آل البيت إذ اقتضح أمرهم وصاروا يعلنون أنهم نجحوا في استرداد امبراطورية فارس التي قضى عليها الفتح الإسلامي.
ويخطي من يتصور أن سلطان آل بيت كسرى مقصور على العواصم الأربع التي يفاخر قادة إيران باحتلالها . هم يحتلون كل عواصم العرب وخاصة عرب المشرق. فلا توجد عاصمة في الخليج بعد الهلال ومصر واليمن والعراق وسوريا ولبنان بقي فيها لغيرهم سلطان من الكويت فنازلا بما في ذلك السعودية. ويكفي أن تسمع الجزيرة فهي ناطقة باسم الحرس الثوري والملالي وكل ضراط قادة إيران وعنترياتهم حتى جعلوها أقوى من ألمانيا الهتلرية واليابان الإمبراطورية وروسيا السوفياتة فيزعمونها ندا لأمريكا الإمبراطورية التي هزمت كل هؤلاء.
فلو كان يحق لأي عرب عاش ظلما لا شك فيه من أجواره من العرب أن يصبح حليفا لأعداء أهم قضايا العرب لما لمت حماس ولا قطر عن هذا التودد الزايد عن اللزوم لإيران لأن عداوة الأخ -مهما كانت أشد مضاضة ومهما بلغت- تبقى دائما في إطار المصلحة العليا للأمة ولا يمكن التصدي لها بمحالفة العدو الذي ينتقم من الفتح منذ أربعة عشر قرنا بالتحالف مع كل مغول العالم سواء جاء من الشرق أو من الغرب.
ولا استنثي بلدي من هذه العاهة التي تجعل العرب بنعراتهم الجاهلية والقبلية ما يزالون لا يفرقون بين الخصومات العائلية والعدواة مع الغير. فلو كان يحق لي أن اتحالف من يريد أخذ تركة والدي مني ومن أخي لأن أخي ظلمني فأنا أفسد من أخي الظالم لأني أظلمه أكثر مما ظلمني وأظلم نفسي وأظلم أبي صاحب التركة.
كلما قرأت شعر العرب الذين يفاخرون بالاستنجاد بكسرى قبل الإسلام كلما احتقرتهم واحتقرت شعرهم وفهمت أنهم قوم ليسوا أهلا لأن يكونوا السهم الحاملة للرسالة الخاتمة. والحمد لله أن الله يسر لرسالته غيرهم من الشعوب ليواصلوا حمايتها بعد نكوص العرب إلى أمراض جاهليتهم وحمق فخرهم الغبي.
فيذكرني ذباب الغفراء الذين يسمون أنفسهم أمراء -وإن بسقم لغوي أبعد ما يكون عن فصاحة عرب الجاهلية- بفخر شعراء الجاهلية في كلامهم على تفاضل القبائل العربية: فمن يفاخر بكبر مساحة صحرائه ليحقر من مساحة قطر أحمق ومن يفاخر بتنظيم ألعاب دولية من شروطها التطبيع التام مع الصهيونية لا يقل عنه حمقا ومن يفخر برضا ترومب أو الحاخامات أو الملالي سيسي الطبع والغباء ومثله كل من ناظره ممن نصبهم الحامي من الغفراء العرب الذين يسمون أنفسهم أمراء سواء كانوا من الجيوش المهزومة أو من القبائل المذمومة.
ومن هو مستعد من أجل “سترابونتان” في حكومة لا تحكم حتى في لسانها للقبول بتعيين وزير يعلم أنه صهيوني ويملك بيتا في المستعمرات في الضفة لا يمكن أن يكون طنيا. وهنا أعني حكام بلدي لئلا يظن أن اتجرأ على غيره من باب التسترعلى ما هو من جنسه أو ربما أكثر منه انبطاحا و”تطبيعا” مع العدو الثاني.
ما زلت عاجزا عن فهم تطبيق المحللين العرب مبدأي عدم التناقض والثالث المرفوع في تحديد العداوات. يمكن أن يكون لك أكثر من عدو ويمكن أن يتساويا في العداوة. ويمكن ألا تكون مضطرا للخيار بينهم في التحالف لأنك إذا كنت “ذا شهامة” يمكن أن تقدم حلا آخر يكون الثالث الموضوع لا المرفوع وبدلا من أن تكون تابعا تصبح المتبوع.
وأختم: لو ورثت النخب العربية واحد في المائة من رجولة بناة دولة الإسلام الأولى لو كان فيهم من هو برجولة معاوية وقيادات الدولة الأموية لكانوا قادرين على قيادة الأقليم كله بما من الله به عليهم من أداتي كل سلطان:
- ثروة لا تنضب بموقعهم الجغرافي والمناخي.
- وتراث لا يغلب بموقعهم التاريخي والحضاري.
لكنهم نكصوا إلى الجاهلية وعادو أعدى أعداء شعوبهم وأمتهم. وأضيف لهذه الخاتمة فائدتين:
الأولى أن الذي يحتاج لبقاء أمريكا وروسيا في الأقليم هو من لا ينفك مرددا أنه يريد أخراج الأجانب من الاقليم. وذلك لعلتين: فإيران هي التي تدعي ذلك. لكن من يفهم في الاستراتيجيا يعلم أنها هي التي تحتاج لحمايتهما لأن شباب السنة قادر أن يفتح إيران مرة ثانية كما سبق أن فعل ولولا حماية الطيران الامريكي لها في العراق لأخرجها أبطال العراق خلال مقاومتهم للغزو الأمريكي.
والثانية أن شباب السنة مهما تكاثرت عليه المحن والفتن فهو سيحقق ذلك وقريبا جدا. ذلك أن ما كان يحول دونه وهذه الثورة الثانية التي بدأت ولن تتوقف حتى تحقق أهدافها وأولها إعادة وحدة الامة شرط الاستئناف الثورة المضاهية للثورة الأولى وبداية سيادة الإسلام الكونية هو هذه النخب الحاكمة وبطانتها وها قد فقدت كل علل بقائها وصارت الشعوب تدرك شروط خلاصها منهم ومن حماتهم. ولست أكتب ما أكتب للكلام على الحاضر وأحداثه إلا لإحياء دوره مرجلا تغلي فيه أبعاد التاريخ الخمسة:
فاحداث الماضي وأحاديثه لا يمكن الاستئناف من دون إحياء دلالتها الثورية. وأحاديث المستقبل وأحداثة لا يمكن أن تصبح استراتيجية استئنافية من دون أن يصبح الشباب وريثا للبناة جديرا بإرثه.
تلك هي المهمة التي نذرت نفسي لها منذ نعومة أظافري. وكل ما أكتبه سواء بالشكل الأكاديمي الذي هو عندي “مكياج” لمضمون الالتزام الوجودي في معارك التاريخ الإنسانية بصنفيها أو بغيره المجرد من الجهاز الاكاديمي:
الالتزام بالشرط المادي لقيام الأمة الحرة.
الالتزام بالشرط والروحي لقيم الأمة الحرة.
والأول للتعمير والثاني للاستخلاف. وهما مهمتا الإنسان الكونيتان بنص القرآن وبمنطق العقل والفرقان. ومن ثم فالكونية الإسلامية ثابتة لأن الأداة في النظر والعقد في المعرفة والأداة في العمل والشرع في العمل تهدفان إلى غايتين اسميين هما مطلوب الدين والفلسفة الواحد: التحرر من سلطان الطبيعة على الإنسان والتحرر من سلطان الإنسان على الإنسان. والأولى غاية العلم وتطبيقاته والثانية غاية العمل وتطبيقاته. الأولى معركة المعرفة والثانية معركة القيمة. وهما مهمتا الإنسان: الاستعمار في الارض والاستخلاف فيها.