عبد الرزاق الحاج مسعود
لن يصل مرشّح النهضة “المفاجأة” إلى منصب الرئاسة.
لماذا؟
لأن واضع سيناريو هذا الترشيح يعلم مسبقا استحالة “الفوز” بالرئاسة.
هو خيار اضطراري يكاد يكون قرارا اعتباطيّا لا يليق بديمقراطية طموحة:
• معلوم طبعا أن تقديم الانتخابات فاجأ الجميع ومنهم النهضة. كانت تتوقع أن تفاوض بحجمها البرلماني مرشحا رئاسيا وازنا تدعمه في الرئاسيات مقابل رئاسة البرلمان ومشاركة آمنة بحجم “كاف” في الحكومة. تقدّمت الرئاسيات فسقط هذا الخيار. في المقابل شهدت صفوف السيستام فوضى ترشيحات جعلت مراهنة النهضة على واحد منهم دون غيره قفزة في الهواء. كانت النهضة مترددة بين الشاهد أولا والزبيدي ثانيا: الشاهد الذي أنشأ شبه حزب ليحكم به وكان من المبرمج أن يهيّئ لنفسه قوانين تقصي منافسيه الأقوياء من النداء التاريخي (معركة الباتيندا) وطوفان القروي الشعبوي الزاحف، فإذا ب”موت” الباجي قبل الإمضاء على قانون الإقصاء يسقط كل خطّته في الماء. لم يبق للشاهد إلا أن تعلن النهضة دعمها العلني له، لينفضّ من حوله جمهوره الطبيعي المتردد بطبعه. ولعلّه هو نفسه رفض دعما سيورّطه في شبهة “مرشّح النهضة.”
بقي الزبيدي مرشّح “صدفة” صنعتها “الغرفة الصانعة للرؤساء”. في لحظة ما أشاعت النهضة أنها لا تعارض ترشحه. ولكنها لو أعلنت دعما رسميا للحقه من الأذى ما يشبه الذي أشرنا إليه بخصوص الشاهد. وقد يكون أرسل إلى النهضة إشارة بهذا المعنى “أخطوني في الدور الأول.. وسنرى ما يكون بعده…”.
• ثم انضاف معطى أخطر كان محدّدا في التغيّر المفاجئ لخيار النهضة: تشكيل قائماتها البرلمانية أنتج أكبر أزمة داخلية شهدتها النهضة في تاريخها. حيث عمد المكتب التنفيذي إلى تجاوز نتائج الانتخابات القاعدية ليعيد تشكيل القائمات طبقا لرؤيته في تقدير “مصلحة” الحركة. رؤية لم تقنع المتضررين منها الذين تمّت إزاحتهم كليا من القائمات أو تغيير ترتيبهم فيها، ليُستأنف بعنف علني ولأول مرة الصراع الذي انطلق في المؤتمر العاشر حول التسيير الديمقراطي للحركة وحول خلافة رئيسها. صراع أحدث حالة ارتخاء عام في الجسم النهضوي فيما يشبه استقالات صامتة وانسحاب جهات بأكملها من معركة الانتخابات القادمة.
تدرك النهضة أن وزنها الانتخابي يتراجع، وأن أي انقسام كبير في صفوفها سيخرجها من المشهد السياسي كليّا وفي توقيت لم تتهيّأ له. لذلك سارعت إلى ترشيح من داخلها عسى أن يتداعى جسمها القاعدي والتنظيمي لمنع حدث كارثي كهذا.
هنا حدثت النقلة التاريخية في النهضة: من اجتناب التغوّل ومراوغة الفيتو الدولي الرافض للاسلاميين واجتناب مصادمة المزاج الشعبي الغالب الرافض لوجه نهضاوي في الرئاسة.. من كل هذه المحاذير تقفز إلى خطوة التطبيع النهائي والمفاجئ مع مؤسسة رأس الدولة نزولا عند ضغط قاعدي “مزاجي” و”قرار مجلس شورى” لا يمكن لمراقب مهما كان موضوعيا أن يبرّر انتقاله الدراماتيكي من التصويت بفارق صوت على خيارين متناقضين إلى إجماع مطلق على خيار مفاجئ محفوف بكل الأخطار.
ندرك طبعا أن النهضة لا تنوي الذهاب إلى نهايات خيار الترشح، وأنها تنوي المفاوضة في الدور الثاني مع مرشح السيستام ومع كل من سيحصل على عدد مقاعد برلمانية تؤهله للمشاركة في الحكم القادم، ولكنّ هذا الخيار محفوف بأخطار كبرى:
لنفترض أن مرشحها يصعد مع القروي للدور الثاني، وهذا السيناريو هو الأقرب نظرا للتشتت الكبير للأصوات في الجهتين، هل ستفاوض القروي (الذي سيكون لقائماته حضور أكيد في البرلمان) على تفاصيل توزيع ما للحكم مقابل ان تدعمه؟ طبعا لا. لأنه لن يحتاج إليها حينها، وسيجتمع حوله كل الجمهور الرافض للنهضة، ولن يحصل مرشحها على أصوات المهزومين من المحسوبين على الثورة. سيكون الرئيس الخصم (خصوصا إذا اعتبرنا تكوينه المافيوي).
حينها
ستحدث أشياء كثيرة نكاد نراها الآن.
ملاحظة 1: أنا أرجح أن الغنوشي انتقل إلى خيار الترشيح من الداخل لا لصحوة ديمقراطية مفاجئة، بل لأنه يرى هذا السيناريو الكابوسي، ويخيّر تحميل الجميع تبعاته.
ملاحظة 2: من المؤسف أن تظل تونس تراوح كل هذه السنوات حول موقع الإسلاميين من الحكم، ولا تتقدّم (ولن يحدث في المدى المنظور) خطوة واحدة نحو معالجة القضايا الحياتية الكبرى.