محمد كشكار
مواطن العالَم، يساري غاندي الهوى، غير ماركسي، وغير منتمي لأي حزب
خدعوكَ بقولهم “حداثي وتقدمي”! أتريدُ أن تعرفَ مَن خدعكَ؟ إذا كنتَ لا تعرفُ فأنتَ حقًّا غبي! وهذا مستبعدٌ في خيالي، ولذلك أرجّحُ أنك بحقٍّ انتهازيٌّ!
كيف؟
وظّفوكَ، استغلوا حماستكَ واندفاعكَ، سطّروا لك خطًّا فمشيتَ عليه، رسموا لك هدفًا ليس هدفَكَ، نقروا على وترك الحسّاس، طبطبوا على قفاك بِحِنيةٍ مزيفةٍ، وعدوك بنبيذ السلطة، فصدّقتهم وارتميتَ في أحضانهم. قديمًا لدغوك ولم تتعظ. ألا تعرف المَثل اليهودي الذي يقول: “مَن لدغنا مرة فتبًّا له، وإذا لدغنا مرتين فتبًّا لنا وألف تبّ”. لدغك ستالين في أسبانيا فرانكو، لدغك ديـﭬول بعد تحرير باريس، لدغك بومدين بعد انقلاب 65، لدغك عبد الناصر بعد مؤتمر باندونـﭬ، لدغك صدام في العراق، لدغك الأسد في سوريا، لدغك النميري في السودان، لدغك الخميني في إيران، لدغتك حماس في غزة، وأخيرًا وليس آخرًا لدغك السبسي في باردو. أما بن علي فقد أطعمك من جوع وآمنك من خوف بعد أن احتواك ومِثل الأليفِ درّبك وسمّنك ثم شرسًا ضد خصومك الإسلاميين أطلقك. بورقيبة قمعك، سجنك، وشرّدك، وها أنت اليوم تدافع عن بورقيبة أكثر من البورقيبين أنفسهم.. موقفٌ ناتجٌ عن تطورٍ فكريٍّ ونقدٍ ذاتيٍّ.. يا رِيتْ.. نكايةً في النهضاويين، لا أكثر ولا أقل.
مِن أي جِلدٍ قُدَّ جِلدُكَ يا تُرى؟ لو كان جِلد ديناصور، ابشر فمكانك المتحف عن قريب.
أليس لك جهاز مناعة يُنبّهك مثل باقي البشرْ؟ والله أشكّ!
أليست لك أنفةٌ تُغنيك عن مدّ اليد “لِلِّي يَسْوَى واللِّيمايَسْواشْ” وأنت فكريًّا – لو كنتَ تدري- أغنى الناس؟
نصبوا لك فخًّا وأنتَ حصلتَ فيه، حفروا لك جُبًّا وأنتَ وقعتَ فيه، زيّنوا لك الصديقَ عدوًّا وأنتَ “لبزتَ” فيه، صوّروا لك الدين أفيونًا وأنتَ صدّقتَ ما قِيل لك فيه.
بالله عليك قُلْ لي: كيف لشاربِ أرقى أفيون أن يميز بين الأفيون وغير الأفيون؟ (Le marxisme, c’est : L’Opium des intellectuels, un livre écrit par un homme de droite, le philosophe français Raymond Aron, et paru en 1955).
بالله عليك، اقرأ جملة ماركس كاملة غير مبتورة، من أولها إلى آخرها، ولا تكتفي بعبارة “الدين أفيون الشعوب” التي تأتي في النهاية، عبارةٌ انتُزِعت من سياقها. انتبه: نفس الجملة تبدأ بعبارة أدق “الدين صرخة المظلوم، الدين قلب عالَم بلا قلب، الدين روح عصرٍ بلا روح”.
Karl Marx: La religion est le soupir de la créature accablée par le malheur, l’âme d’un monde sans cœur, de même qu’elle est l’esprit d’une époque sans esprit. C’est” “l’opium du peuple
إذا كنتَ حقًّا يساريًّا فاصدقني القول: مع مَن يكون تناقضك الرئيسي، مع البورجوازيين أو مع الإسلاميين وأكثرهم مثلك فقراء؟ ومَن هو قتّال الأرواح بحق وحقيقة، الغنوشي أم ماو أم ستالين أم صدام أم بشّار أم أوباما أم ساركوزي؟ راجع التاريخ؟
غلّطوك وجعلوك تخدم مآربهم أم طمّعوك وخلوا بك في أول الطريق؟ أفِقْ من سباتك ياحبيبي أفِقْ على وزن “نَمْ ياحبيبي نَمْ”، وتمعّن في حكمة رفيقك الفيلسوف اليساري، المغربي عبد الله العروي: “لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه…”، ولسان المجتمع التونسي هو الإسلام (François Burgat. L’islamisme au Maghreb. La voix du Sud)، فكيف بالله عليك تستطيع أن تخاطب قومًا بغير لغتهم وتنتظر منهم أن ينصتوا إليك، يفهموك وينتخبوك؟ عليك بالتصالح مع مجتمعك لا مع الغنوشي، فالمجتمع التونسي مسلمٌ وباقٍ والغنوشي إسلامي وذاهب (C’est ce qu’on appelle l’indigénisation).
أوجه نقدي هذا للمواطن التونسي اليساري المتحزب، أما المواطن التونسي اليساري غير المتحزب فدستور الثورة يكفل له حرية الضمير والمعتقد، يسلم، يكفر، يلحد، هو حر، لا وصي عليه إلا ضميره “وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى” (قرآن).
خاتمة: والله أحبك يا سخطة، يا يساري مهما كنتَ، وما يحكّ جِلدكْ كانْ ظُفركْ.. إعيشكْ، خمّم مليحْ قبل ما تْسبني.. التخمام قد ينفعك أما السبّان يرجعْ عليكْ.. خاصة إذا أردت أن ترتقي وتكون ذكيًّا وليس انتهازيًّا. انتهى الدرس يا ابن مِلّتي الفكرية، لا أوافقك حزبيًّا ولا إيديولوجيًّا ولا سياسيًّا وتبقى دائمًا حرًّا.
ملاحظة: للأمانة العلمية، لقد أوحَى لي بهذا المقال نَصٌّ قرأته اليوم صباحًا في الفيسبوك، نَصٌّ ليساري جبهاوي صادقٍ مخلصٍ أمينْ، صديقي أنا وكان أيضًا صديقًا للمرحوم صالح كشكار، شقيقي الأكبر. لم ولن أذكرَ اسمه احترامًا له، لأن صداقة محمد كشكارْ تُعتبَرُ عند الستالينيين التونسيين رِدّة عن اليسارْ وعارْ ما بعده عارْ.
إمضائي: “وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إذن إلى فجر آخر” (جبران)
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 5 أوت 2019.