عبد اللّطيف درباله
إذا تخلّى راشد الغنّوشي عن حلم رئاسة الجمهوريّة إلى رئاسة مجلس النواب.. فهل ترشّح النّهضة مورو للرئاسة.. أم تساند الشّاهد أو غيره..؟؟
هل يصبح الغنوشي رئيسا للحكومة لو فازت النهضة بالتشريعيّة..؟!
لا تزال حركة النّهضة تعيش مخاضا عسيرا وقويّا وصعبا لتوليد موقفها النهائي من الإنتخابات الرئاسيّة..
والسؤال داخلها اليوم هو على تقدّم مرشّحا منها لانتخابات رئاسة الجمهوريّة..؟
ومن يكون..؟
أو هل تقرّر عدم ترشيح شخص من داخلها للإنتخابات..؟
وفي هذه الحالة.. هل تكتفي بالوقوف على الحياد.. أم تعلن صراحة مساندتها لأحد المرّشحين الآخرين للرئاسة..؟
وفي هذا الحالة أيضا من يكون ذلك “العصفور النّادر” على حدّ تعبير رئيس الحركة راشد الغنّوشي..؟
ممّا زاد الطّين بلّة في تخبّط النّهضة.. هو الموت المفاجئ لرئيس الجمهوريّة الباجي قايد السّبسي قبل أقلّ من أربعة أشهر من موعد الإنتخابات الرئاسيّة المقرّرة سابقا ليوم 17 نوفمبر القادم.. وتقديم موعدها بالتالي إلى إنتخابات سابقة لأوانها يوم 15 سبتمبر 2019.. وذلك قبل موعد الإنتخابات التشريعيّة التي للنّهضة حاليّا حظوظا وافرة في أن تكون في المرتبة الأولى فيها حسب آخر استطلاعات للرأي.. ممّا سيجعل تأجيل الموقف النهائي والمناورات حول الإنتخابات الرئاسيّة إلى ما بعد معرفة نتيجة الإنتخابات التشريعيّة كما كان مفترضا.. مستحيلا اليوم..!!
راشد الغنّوشي.. وفق ما أبداه شخصيّا من مؤشّرات.. ووفق تصريحات العديد من قادة النهضة.. وطبقا لمعلومات مؤكّدة من داخل الحركة.. كان راغبا بقوّة في الترشّح لرئاسة الجمهوريّة إلى آخر وقت.. وبدا عازما على ذلك فعلا..
لكنّ رأيا غالبا داخل الحركة رأى أنّ ترشّح الغنّوشي للرئاسة هو مغامرة فاشلة بكلّ المقاييس.. وذلك أساسا لسببين اثنين:
• السبب الأوّل.. أنّه وإن كانت أصوات أنصار النهضة والمتعاطفين معها أو المعجبين بالشيخ قد تكفي لضمان عبوره إلى الدّور الثاني من الإنتخابات.. خاصّة بفعل تشتّت الأصوات بين الكثير من المرشّحين في المحور المقابل.. فإنّه من شبه المستحيل أن يفوز الغنّوشي بنسبة تفوق 50 بالمائة بالدّور الثاني.. وسينهزم كما انهزم قبله المنصف المرزوقي في الدّور الثاني سنة 2014..
• السبب الثاني.. أنّه حتّى على افتراض فوز راشد الغنّوشي في الإنتخابات الرئاسيّة.. فإنّ ذلك سيثير حفيظة الكثير من القوى داخل وخارج تونس.. الرّافضة لمسك الإسلاميّين بالسّلطة داخل البلاد.. وأنّهم لن يرضوا بأن يصبح زعيم النهضة قائدا أعلى للقوّات المسلّحة في تونس والمتحّكم الأوّل في جيوشها وأمنها القومي وعلاقاتها الخارجيّة.. وأنّ ذلك سيرمي بالنّهضة من جديد في مرمى النّار.. وسيجعلها عرضة لكلّ أعمال العرقلة والتشويه والحرب كما حصل عند تولّيها السّلطة سنة 2012..
ويبدو أنّ راشد الغنّوشي اقتنع.. وقبل في النهاية.. وعلى مضض ومرارة بالغة.. التخلّي عن حلمه في إنهاء حياته السياسيّة الطّويلة بمنصب رفيع هو رئيس الجمهوريّة التونسيّة.. وأدرك أنّ خيبة فشله في الإنتخابات (الواردة جدّا) قد تخرجه من الباب الصّغير على عكس ما يريد..
مباشرة بعد نهاية حلم الرئاسة.. حوّل الغنّوشي هدفه من قصر قرطاج إلى قصر باردو.. وفاجأ الجميع بتقديم ترشّحه في أخر وقت للإنتخابات التشريعيّة على رأس قائمة تونس 1.. وهو ما يفترض معه بوضوح أنّ الغنّوشي لا يبتغي أن يكون مجرّد نائب بالبرلمان.. وإنّما “رئيس مجلس نواب الشعب”..
الشيء الذي أكّده رئيس مجلس شورى حركة النّهضة عبد الكريم الهاروني.. الذي صرّح بوضوح بأنّ الحصول على رئاسة مجلس نواب الشعب هو من بين طموحات الحركة..
غير أنّه من الناحية النظريّة على الأقلّ.. يبقى لراشد الغنّوشي فرصة للمنصب الأرفع في البلاد.. وهو رئاسة الحكومة.. إن فازت النهضة بالمرتبة الأولى في الإنتخابات التشريعيّة.. وأمكن لها ترتيب توافق وإئتلاف حكومي مع حزب أو أحزاب أخرى إن لم تحصل على الأغلبيّة بمفردها..
وفي هذه الحالة سيصبح راشد الغنّوشي حاكما للبلاد دون أن يكون مجبرا هو شخصيّا على خوض أيّ إنتخابات خاصّة يضع نفسه فيها في الميزان مباشرة..
لكنّ هذه الفرضيّة نفسها تبدو بدورها بعيدة.. لنفس السبب الثاني الذي منع الغنّوشي من الترشّح للرئاسة.. وهو أنّ القوى الداخليّة والخارجيّة الفاعلة لن تسمح بتولّي زعيم حركة إسلاميّة السلطة الفعليّة العليا في البلاد.. وأن ذلك سيعرّض “حكومة الغنّوشي” المفترضة (إن حصلت) إلى حرب شرسة لإسقاطها وتعطيلها وإفشالها بكلّ الطّرق..
عند هذا الحدّ بدأت حركة النّهضة تبحث عن موقف يحقّق مصلحتها في الإنتخابات الرئاسيّة..
وقد انتهى المكتبان السياسي والتنفيذي لحزب النهضة.. والمسيطر عليهما من قبل رئيسها راشد الغنّوشي.. إلى إقرار أنّ الأنسب هو عدم ترشيح الحركة لمرشّح للإنتخابات الرئاسيّة من داخلها.. واللّجوء إلى دعم مرشّح خارجي تتوافق معه..
وبعرض ذلك القرار على تصويت مجلس شورى حركة النّهضة أوّل أمس السّبت.. شهدت أروقة المجلس نقاشا طويلا وحادّا دام أكثر من 12 ساعة.. وتباينت فيه الآراء جدّا..
وبرز أساسا موقفان اثنان:
• الموقف الأوّل.. هو ترشيح الحركة لرجل منها للرئاسة..
وفي هذا الخصوص فإنّ الرأي الرّاجح هو أن يكون هذا الشخص الشيخ عبد الفتّاح مورو نائب رئيس الحركة.. ونائب رئيس مجلس النواب الآن..
ويعتقد أنصار هذا الرأي أنّ مورو (وعلى عكس الغنّوشي) يتميّز بشعبيّة جارفة عند فئات واسعة حتّى من غير أنصار النّهضة والمتعاطفين معها.. بل وبين خصومها أيضا.. ممّا يوفّر له حظوظا معتبرة في النّجاح للفوز بالمنصب حتّى في الدّور الثاني..
• الموقف الثاني.. هو مساندة مرشّح للرئاسة من خارج الحركة.. وأهمّ شرط في ذلك أن يمثّل حزبا له حظوظ وافرة في الإنتخابات التشريعيّة بشكل يمكن الدّخول معه في شراكة ناجحة في الحكم.. بين رئاسة الجمهوريّة وبين إئتلاف حكومي بأغلبيّة مريحة في البرلمان.. والفوز برئاسة مجلس النواب..
وفي هذا الخصوص يعتقد شقّ مؤثّر في حركة النّهضة أنّ يوسف الشاهد.. رئيس الحكومة الحالي ومؤسّس حزب تحيا تونس.. يمكن أن يكون هو “العصفور النّادر” الذي يحقّق المصالح السياسيّة للحركة..
غير أنّ هذا الرّأي يلقى بدوره معارضة شديدة من نفس الشقّ الذي كان يعارض في البداية تحويل التوافق من السّبسي إلى الشاهد وإبقاء هذا الأخير برئاسة الحكومة.. ويعتقد أصحاب هذا الرّأي المناهض للشاهد أنّه ليس خيارا مصيبا بالنّظر إلى ضعف الرّجل وفشله في أدائه الحكومي وإلى ميولاته الإنقلابيّة ومحاولاته الإستئثار بالسّلطة بمفرده..
من جهة أخرى فإنّه ومع ضعف حظوظ مرشّح للنهضة في الفوز برئاسة الجمهوريّة وتخطّي الدّور الثّاني.. ولو كان الشيخ مورو.. فإنّه وبافترض فوزه فعلا.. فإنّ حصول النّهضة على منصب رئاسة الجمهوريّة.. قد يجعل من تنصيب راشد الغنّوشي رئيسا لمجلس نواب الشعب.. مع حضور قويّ أيضا للنهضة في الحكومة.. صعبا جدّا.. لكونه سينظر إليه كسيطرة مطلقة على الحكم من النّهضة.. و”تغوّل في السلطة”.. وسيجعلها من جديد في ساحة الحّرب ومرمى النّار..!!!
مجلس شورى حركة النّهضة صوّت في دورته الأخيرة بعدد 45 صوت لترشيح الحركة لمرشّح منها للإنتخابات الرئاسيّة.. وعدد 44 صوتا لمساندة مرشّح من خارج الحركة.. وامتنع ثلاثة أعضاء بمجلس الشّورى عن التصويت.. عدا الغائبين..
وقد وقع تداول أسماء يوسف الشاهد وعبد الكريم الزّبيدي في الكواليس وفي بعض التصريحات الإعلاميّة ضمن خيارات الفرضيّة الثانية..
لكنّ القانون الداخلي للحركة يفرض أن يحصل أيّ قرار يقع إعتماده على ما يقلّ عن 50 صوتا.. وهو ما جعل المجلس لا يعتمد القرار الفائز بالأغلبيّة حينها.. ويبقي نفسه منعقدا.. في إنتظار إجتماع جديد وحاسم يوم الثلاثاء القادم.. وفي إنتظار أن تفضي المفاوضات الجانبيّة وجهود الإقناع في الثمانية وأربعين ساعة إلى موقف يحصل على الأغلبيّة الكافية لإقراره نهائيّا..
فهل سينجح زعيم الحركة راشد الغنوشي في فرض رأيه عبر إقناع الغالبيّة به..؟؟
أم ستفرض الغالبيّة على رئيسها الغنّوشي مرشّحا غيره لرئاسة الجمهوريّة..؟؟