وليمة في الخيال
الصادق الصغيري
عند عودتة الى البيت بعد عناء يوم من العمل المرهق، يعثر عبد الله على مجلات الدعاية مرمية تحت الباب، يخذها الى طاولة الاكل، ويجلس يقلب صفحاتها رويدا رويدا، حتى اذا بلغ صفحات الاكل واطباقه الشهية، يختار الطبق الذي يشتهيه ويروق له، لا يبالي بثمنه مهما غلا،
يمدد الصفحة جيدا بكفي يديه حتى تكون الصورة واضحة وجلية، هذه سلاطة مشويّة عليها حبات زيتون اخضر واسود، هذا طبق من الحوت المشوي والمتبّل الى جانبه قطع من قارص متوسطة الحجم، وهذا صحن فخاري قد امتلا هريسة حمراء فاقع لونها، والى جانب كل ذلك عددا من خبز الطابونة الناضج، يترك كل ذلك كذلك ويجول بعينيه في المكان مخافة حضور قطة الجيران وقد اشتمت رائحة الحوت التي تجاوزت حدود المنزل، يقوم يغسل يديه جيدا ويعود الى المكان وينتصب امام طبق الاكل ويغمض عينيه ويبدا في تخيل انه يلتهم رفقة عائلته وجبة الطعام فيلتقط قطعة خبز يغمسها في الهريسة الحارة ثم يعقبها يقطعة من السمك المشوي التي يحرص ان لا تكون كبيرة حتى تستمر حصة الاكل اطول وقت ممكن، يدعو زوجته الى الاكل وعدم الاهتمام كثيرا بالاولاد، سيتولّى اطعامهم بنفسه، يستمع الى من حوله من الزبائن وهم ياكلون، ضجيج الملاعق والشوكات والسكاكين يملا المكان، يخرج بعض الزبائن ويحل اخرون ولازال عبد الله وعائلته منهمكين في الاكل. مع اخر قطعة خبز يمد يده الى قارورة الكوكا يتحسس برودتها خوفا على اسنان الاولاد، حتّى اذا اطمأنّ الى اعتدال حرارتها، سكبها في الكؤوس ودعا الجميع الى الشرب.
عندما احس عبد الله بالشبع فتح عينيه. خيّل اليه ان رائحة الحوت المشويّ قد عمت كامل ارجاء المنزل، ستكتشف زوجته عند عودتها من بيت والديها رفقة الاولاد انه جلب حوتا الى المنزل ودون ان يترك لهم من الوليمة نصيبا، فتح كل منافذ البيت واخذ قطعة قماش وراح يدور بها ويدورها بقوة في الفضاء لطرد الهواء المشبع برائحة الحوت، حتى اذا خيل اليه ان الغرفة قد استعادت رائحتها العادية، سارع الى غسل يديه وفمه بالماء والصابون المعطر لاخفاء رائحة الجريمة ثم عمد الى رمي المجلة الاشهارية في موضعها قرب الباب ثمّ رفسها برجله حتى لا تظن الزوجة انه حفل بها او تصفحها او القي لها ادنى اهتمام.