لحظات قبل أن تعلن النهضة قرارها الخطير..
نصر الدين السويلمي
لا ندري بالتحديد إن كانت النهضة جادة في إعلان مرشحها للانتخابات الرئاسية خلال الأيام القادمة، لكن الأكيد ان مثل هذا الإعلان سيُدخل النهضة في عصر الرهانات إن لم نقل المغامرات، لأن الرؤية مشوشة بما فيه الكفاية والمساندة المباشرة لهذه الشخصية او تلك يعد هو نوعا من ضرب الاقداح، مهما كانت فراسة الحركة او الخبرات التي اعتمدتها أو حتى المراكز المختصة التي استشارتها،مهما تكن الاجتهادات فالساحة تموج بالاحتمالات التي هي أبعد ما تكون عن الاستقرار أو الركون الترجيحي لشخصية بعينها.
لا يُعتبر الاحجام عن تزكية او تسمية احد المترشحين للرئاسة منذ الدور الأول مثلبة ولا هو من نواقض السياسية، خاصة إذا تعلق الأمر بانتخابات غير تقليدية مازال المجتمع فيها لم يتحصن تماما ضد الابتزاز العاطفي عبر وسائل قذرة وضد الابتزاز الاعلامي من خلال عمليات توجيه بشعة محكومة بخلفيات ايديولوجية او ببغضاء لشروط هووية سياسية تاريخية. بل على العكس امام مثل هذه الاوضاع الدقيقة وفي سياق تجربة تبحث عن التوازن في محيط إقليمي متلاطم، يستحسن الجنوح الى الحذر وتضييق الخناق على المغامرة الى مستوى الصفر، خاصة وأن حركة النهضة تعتبر الرصيد الانتخابي الوحيد الملموس والثابت “بأقدار”، والا فان تونس اليوم تفتقر الى احزاب ذات قواعد ثابتة ترافقها في جميع خياراتها، وتخوض معها تجارب قاسية وربما صادمة، فبعد النداء المشتت والجبهة الشعبية المغدورة من وطدها، لم تعد غير النهضة قادرة على تحريك كتلتها الناخبة في هذا الاتجاه أو ذاك وايضا باقدار ووفق الشخصية المطلوب دعمها، ماعدا ذلك ليس غير الأحزاب الموسمية التي تجمع وتفقد ومحصولها وفق الترهيب الإعلامي والغضب الثوري والمقرونة والزيت والدعاية والاغراء والمساحيق.
لا تحتاج تونس اليوم الى مرشح نهضاوي بقدر احتياجها الى كتلة نهضاوي ناخبة تدخرها الحركة في شكل كتيبة انتخابية تدفع بها لحظة الحرج الانتخابي، تتحسب بها من صعود كارثة وطنية للدور الثاني، حينها يمكن للنهضة أن تحشد بقوة وتستنفر قواعدها لمنع عبور الكارثة الى قصر قرطاج، وهي قادرة على ذلك اذا ادخرت قوتها للدور الثاني، أما إذا صرّفتها في الدور الأول فيصبح من المستحيل اعادة تجميعها بصرخة نضالية حازمة.
إذا أمسكت النهضة وتركت الشخصيات المتنافسة تصعد بغير تحشيدها، فإنها ستكون جاهزة في الدور الثاني لدعم يتراوح بين 10 الى 20% وتلك قوة انتخابية كفيلة بتغيير الموازين، 10% إذا كانت الشخصية مهزوزة لدى قواعدها و 20% إذا كان الرهان على شخصية ثورية او مأمونة متصالحة مع الثورة، أما إذا دخلت النهضة السباق من الدور الأول فإنه لا يمكنها تقديم الاضافة في الدور الثاني، كما لا يمكنها استمالة الساحة لمرشحها، فالمرشح أو المدعوم النهضاوي في الغالب ستستقر نسبته عند نتائج الدور الاول وربما تزداد بشكل طفيف ليس إلا.
لم تتقدم النهضة الى الرئاسة خلال 2011 ولم ترشح سنة 2014 ومترددة سنة 2019، لذا هي ليست ملهوفة على منصب الرئيس، ليس لعدم اهميته ولكن لاهمية وأفضلية الانتقال الديمقراطي عليه، نهضة بهكذا أجندة لا يجب ان تسطّح اهتماماتها فتنتقل من دور التوازن الى مهمة التنافس في مرحلة مازالا الانتقال يحتاج فيها الى الرعاية والمرافقة، كما عليها الانتباه وعدم الركون الى الهدوء الحذر الذي تمر به التجربة، فتونس ان تكن أقلعت وافلتت إلاّ أن مراسيها مؤجلة مرهونة بوحدة اكثر وعزيمة أكبر، تحتاج في بقية الرحلة الى قوى الترفق السياسي وليس التناحر السياسي.
لا تحتاج تونس الى نهضة تخوض مع الخائضين وتكثّر هذا السواد المتزاحم على المسرب المؤدي الى الضاحية الشمالية، بل تحتاج الى حرس يتجاهل الأدوار التمهيدية ويعبر فينتصب في الملعب للقيام بمراقبة دقيقة وذكية لفعاليات الدور النهائي، تحتاج تونس الى غربال اخير يمنع مرور الافعى الى غرفة القيادة، لدى تونس الكثير من القوى التي ترغب في الانتقاء وتتوسع في شهوة الاختيار وتجنح نحو استعراض المترشحين بشروط عروض الأزياء، لكنها تفتقد الى قوة سياسية تشرف على المشهد من موقع استراتيجي، لتراقب حركة الطاعون فتفزع حين يدفع بقدمه الى بهو القصر الرئاسي…تحتاج تونس الى بوابة الكترونية ليست مبرمجة على التصدي لاستفزاز المترشحين واختلافهم وخصومتهم وحتى ايديولوجيتهم، بل مبرمجة على اصطياد فيروس الإيبولا او الجمرة الخبيثة حين يكون احدهما بصدد العبور الى المنصة السيادية الاولى في البلاد.