تونس في حاجة ماسة الى زعيم جديد محترم للثورة المضادة..
نصر الدين السويلمي
الكثير من العوام وحين يهاجمون الثورة يقارنون بين ما قبلها وما بعدها، عصر بن علي وعصر سبعطاش ديسمبر، وفعلا وبخلاف الحرية والكرامة يجدون الكثير من الأشياء المختلفة تميل فيها الكفة إيجابا لصالح حقبة بن علي، خاصة في المناحي المتعلقة بعنقدة الفساد بعد ان كان تحت الوصاية المركزية، وخوصصته بعد أن كان ضمن الأملاك العامة تحت وصاية مباشرة من القصر ومن سيدة القصر وأشقاء سيدة القصر، وبعد ان تمكن النشطاء وبعض وسائل الإعلام من الوصول الى مراكز الفساد وكشفه وبعد ان فقد الفساد قمرة القيادة الموحدة واصبح برؤوس متعددة، وأصبح يتدخل في السياسة وفي الاقتصاد وفي الثروات وفي الثقافة وسائر المناحي.. في المحصلة بعد ان فقد الرعاية الطرابلسية التي كانت تأطره وتقننه وتحكم سيطرتها عليه، لقد كان للفساد العشوائي اكثر ضجة من القساد المقنن، خاصة بعد ان استتب الامر للحريات وانتهى عصر التعتيم.
تشتت شمل الفساد بعد بن علي، وبرزت قوى مضادة منعت دولة الثورة من القضاء على الفساد او الحد منه، وتفرع الفساد وتبزع في البلاد، وظهرت مراكز قوى متعددة ومتشعبة، تتنازع النفوذ كما تتنازع الفساد، الى ان وجدت الثورة المضادة عزوتها في الباجي قائد السبسي، الذي نجح باقدار معقولة في تجميع الكثير من القوى تحت لوائه، وتمكنت الثورة من الحديث للافتة واحدة تمثل المنظومة القديمة ومن تحالف معها، وتمكن السبسي خاصة خلال السنوات الاولى لحكمه من فرض كلمته على منابع الثورة المضادة واهم القوى النافذة في البلاد، وكانت الثورة حين تفاوض توقن انها بصدد الحديث لواجهة يمكنها إنفاذ الاتفاقيات اذا صدقت.
أما اليوم وفي غياب شخصية جامعة تلم شتات الثورة المضادة وتضمن لها بعض النفوذ المريح الذي يمنعها من بطش ثورة سبعطاش ديسمبر اذا تغولت واشتد عودها واجتمعت على شعلتها الاولى، اصبحت الثورة المضادة اكثر خطرا من السابق، والخشية ان تتحول من حالة بارزة تتحرك تحت الشمس ولها لافتة واضحة وتفاوض على حقوقها عبر الرئيس الراحل، الى عصابات مشتتة تضرب وتختفي وتجنح الى الأفعال المتهورة في لحظات اليأس واليتم، بعد ان اصبحت بلا زعيم يحميها من سبعطاش ديسمبر كما يحميها من المبالغة في الطمع الذي قد يؤدي بها الى الهلاك.
لذلك تحتاج الثورة المضادة إلى شخصية جديدة وقوية او جامعة، تحافظ على حقوقها وترشدها الى سقفها وتتقن المراوحة دون تجاوز الخط الأحمر، كما تحتاج ثورة سبعطاش ديسمبر الى واجهة جديدة للثورة المضادة تحاورها وتعقد معها صفقات الصلح وتنزع معها فتائل الحرب.. فما دمنا قررنا تونسة الثورة المضادة ونجهز لتجريم كل عملية تواصل مشبوهة بينها وبين السرطان الإقليمي بغرض استنساخ الوباء المصري بمشارط اماراتية،، ومادامت الثورة المضادة في نسختها التونسية قبلت بالانتقال السلمي شريطة المشاركة فيه ومراقبته من الداخل حتى لا تكتنفه ثورة سبعطاش ديسمبر وتسيطر كليا على قمرته وتنشر قواتها في مفاصله ومداخله ومخارجه، مادام كل ذلك تم باقل التكاليف ومادامت تونس أسست لمساحة من التعايش المعقد والمركب بين الثورة والثورة المضادة وما دام رجل الثورة المضادة القوي ترجل، فلا مناص من البحث عن زعيم جديد يقود الثورة المضادة نحو المزيد من التعقل، نحو المزيد من الشراكة، نحو المزيد من الارتباط بالوطن والابتعاد عن رفاق السوء المشرقي، وصولا الى الانصهار الكامل للثورة المضادة ولثورة سبعطاش ديسمبر في دولة القانون والمؤسسات، الدولة التونسية الحديثة الديمقراطية، دولة الحق والعدل.