عبد اللّطيف درباله
هل كان رئيس الجمهوريّة المتوفّي يعاني أمراضا.. أو يخضع لعلاج.. أو يتناول أدوية.. قد تكون أثّرت على ذهنه أو وعيه أو إدراكه أو وجدانه.. وبالتالي على قراراته وأعماله طوال الأسابيع أو الأشهر الأخيرة من رئاسته قبل وفاته..!!!
أمّا وقد توفيّ الباجي قايد السبسي.. وتم تأمين انتقال ناجح في السلطة.. وأصبح لدينا رئيس جديد.. وتمّ تحديد موعد للانتخابات الرئاسيّة القادمة بعد أقلّ من شهرين.. وزال الخطر والأمر الطارئ..
فإنّ الحالة الصحيّة لرئيس الجمهوريّة الرّاحل السبسي.. وملفّه الطبي.. لم تعد منطقيّا من بين أسرار الدولة.. أو أمرا يتعلّق بالأمن القومي..
كما أنّ القول بأنّ الملف الطبي للسبسي هو أمر شخصي.. وهو سرّ طبي لا يجوز الكشف عنه.. إلاّ بترخيص من عائلته.. هو بدوره أمر مردود.. باعتبار الأمر يتعلّق بشخصيّة عامّة.. وليس بمواطن عادي..
نحن نعرف بأنّ الرئيس الرّاحل متقدّم في السنّ.. وبأنّه كان يعاني من أمراض الشيخوخة وبعض الأمراض المزمنة.. وأمراضا أخرى الكثير منها ماهو معروف لبعض العامّة أو الخاصّة.. والقليل منها مجهول..
لكن من حقّ الشعب التونسي أخيرا أن يأخذ فكرة دقيقة عن الأمراض التي كان يعاني منها رئيسه الذي توفيّ وهو يباشر سلطة رئيس الجمهوريّة.. وأن يعرف يقينا ماهو المرض أو التوعّك الصحّي الذي جعله طريح الفراش طوال الشهر الأخير.. وأودى بحياته في النهاية..!!
يكتسب الأمر أهميّة أكبر.. عبر التأكيد على ضرورة الكشف عن ما إذا كان رئيس الجمهوريّة المتوفّي كان يعاني مثلا أمراضا.. أو يخضع لعلاج.. أو يتناول أدوية.. قد تكون أثّرت واقعيّا وعمليّا على ذهنه أو وعيه أو إدراكه أو وجدانه.. وبالتالي على أفكاره وقراراته وأعماله طوال الأسابيع أو الأشهر الأخيرة من رئاسته قبل وفاته..!!!
وفي غياب تشريح للجثّة لانتفاء الموجب لعدم وجود شبهة جنائيّة ظاهرة مبدئيّا.. فليس أقلّ من أن يصدر الفريق الطبي لرئيس الجمهوريّة والمستشفى العسكري وغيرها من الجهات المختصّة.. تقريرا طبيّا رسميّا يبيّن ويفسّر للشعب التونسي الأسباب الطبيّة والصحيّة.. المباشرة وغير المباشرة.. التي تسبّبت.. “تقنيّا وعلميّا”.. في وفاة رئيس الجمهوريّة التونسيّة.
وتتأكّد هذه الحاجة لمعرفة أسباب وفاة الباجي قايد السبسي.. لقطع الطريق عن أيّ شكوك أو تأويلات أو إشاعات أو محاولات للمتاجرة بالموضوع.. قد تعمد إليها بعض القوى أو الجهات أو الشخصيّات السياسيّة..
ومن المعلوم بأنّ حافظ قايد السبسي.. ابن رئيس الجمهورية المتوفّي.. والذي هو في نفس الوقت رئيس حزب نداء تونس الذي كان حاكما.. صرّح يوم الوفاة وقبل ساعات من وقوعها ومن إعلان الخبر.. صرّح بأنّ والده الباجي نقل إلى المستشفى العسكري لإتمام معالجته بسبب بقايا التسمّم الغذائي الذي تعرّض له خلال الفترة الماضية..!!
وذلك في إشارة إلى أنّ تعكّر صحته في الأسابيع الأخيرة وخصوصا مرضه وملازمته للمستشفى أيّاما إبّان ما عرف إعلاميّا “بالخميس الأسود” (27 جوان 2019) عند انتشار إشاعة وفاته حينها.. ناتج عن حالة تسمّم من غذاء تناوله..!!
غير أنّه سبق تصريح حافظ ابن الباجي يوم وفاة الرئيس.. تصريحا آخر في نفس المعنى.. وذلك قبل شهر كامل.. وتحديدا على إثر الوعكة الصحيّة الخطيرة التي أصابت الباجي يوم الخميس 27 جوان المنقضي عندما حصلت عمليّتان ارهابيّتان بوسط العاصمة تونس.. وأعلنت رئاسة الجمهوريّة فجأة نقل رئيس الجمهورية إلى المستشفى العسكري على إثر وعكة صحية وصفتها “بالحادّة”.. وسرت بعدها على الفور إشاعة موت السبسي لعدّة ساعات.. قبل أن يقع التأكيد لاحقا بأن الرئيس حيّ.. ولازم المستشفى بعدها لعدة أيّام..
التصريح الغريب السابق قبل شهر.. أدلى به حينها سليم الرياحي رئيس الحزب الوطني الحرّ.. الموجود خارج تونس منذ أشهر.. والذي ترأّّس لفترة إندماجا حزبيّا نتج عن إنصهار وقتي لحزبه مع حزب نداء تونس الذي أسّسه السبسي وأوصله إلى رئاسة الجمهورية..
فقد أدلى الرياحي بتصريح مفاجئ نشره على صفحته الرسميّة بالفيسبوك بما نصّه:
“تخطّى رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي المضاعفات الصحية التي جدّت على اثر حالة التسمم التي تعرض لها مؤخرا”..
وهو ما يعني صراحة أنّ الرياحي أرجع سبب الوعكة الصحيّة الخطيرة التي أصابت الباجي إلى حالة “تسمّم” دون أن يبيّن ماهيّة أو نوعيّة ذلك التسمّم.. ولا شكله وسببه.. كما لم يعلن الرياحي عن مصدره في مثل ذلك الخبر..!!
ولم يأخذ أحد سليم الرياحي على محمل الجدّ في الموضوع على ما يبدو..!!
وهو نفسه لم يصرّ لاحقا على نشره وتداوله..!!
بعدها بشهر.. وعلى إثر الوعكة الصحيّة الأخيرة في حياة السبسي.. يؤكّد ابنه نفسه مرّة أخرى إصابته بتسمّم قال إنّه غذائي..
وعادة فإنّ التسمّم الغذائي قد يكون عفويّا وتلقائيّا بمجرّد تناول مادّة غذائيّة فاسدة..
وقد يكون متعمّدا بتسميم الأكل..!!
لكنّ حافظ لم يشرح.. ولم يركّز أصلا على الموضوع بعد وفاة والده..!!
ومرّة أخرى.. لم يأخذ أحد حتّى حافظ قايد السبسي على محمل الجدّ في نفس الموضوع على ما يبدو..!!
لقد قدّمت تونس طوال الأيّام الماضية أعمالا سياسيّة ودستوريّة رائعة.. أعطت فكرة جميلة عن تقدّم ترسّخ الممارسة الديمقراطيّة في بلادنا..
ولعلّ إصدار تقرير طبّي رسميّ يكشف الملفّ الطبّي للرئيس الراحل وما كان يعانيه من أمراض.. وأسباب الوفاة.. سيزيد في دعم شفافيّة الدولة.. وترسيخ الممارسة الديمقراطيّة..
كما من شأن مثل هذه المبادرة الإيجابيّة أن تدفع إلى الكفّ عن أيّ لغط أو إشكال حول أسباب وفاة رئيس الجمهوريّة..
كما وأيضا تأكيد أو نفي صحّة اتّخاذ الرئيس السبسي لبعض القرارات الخاصّة بالدولة.. والتي كان أو سيكون لها تأثير على الوضع السياسي العامّ للبلاد حاليّا ومستقبلا..!!!
الشعب التونسي في حاجة إلى أن يعرف الحالة الصحيّة لرئيسه السابق المتوفّي..؟
والأسباب الطبيّة المباشرة لوفاته..؟
ومدى تأثير أمراضه أو علاجه أو أدويته في قائم حياته على ذهنه ووعيه ووجدانه وفكره وقراراته وأعماله..؟؟!!!