صالح التيزاوي
رحم اللّه رئيس الجمهوريّة التّونسيّة الباجي قائد السّبسي رحمة واسعة.. عاد إلى السّياسة في مناخ ثوريّ بامتياز بعد أن أطاحت الثّورة بالرّئيس المخلوع ولم يكن من أبنائها ولا
من المنتسبين إليها بأيّ شكل من الأشكال. عاد من بوّابة الإعلام النّوفمبري، من خلال قناة نسمة… صانعة الرّؤساء.
كان من ترتيب الدّولة العميقة أن لا يظهر على قناة 7 لكونها فاقدة للمصداقيّة عند عموم التّونسيين، فقد كانت لسان الحزب الحاكم، تروّج لإكاذيبه ومغالطاته. يومها لم يكن خطابه معاديا للثّورة، ولم يكن أيضا متحمّسا لها بقدر تحمّسه لمعزوفة “هيبة الدّولة”. أبدى رؤيته للأحداث بطريقة لا تستفزّ القوى الثّوريّة وتطمع المنظومة السّاقطة بحكم الثّورة في العودة الوشيكة، فعل ذلك بأسلوب يغلب عليه طابع النكتة والكاريزما الذّاتيّة. ولم يخطر ساعتها بأذهان شباب الثّورة وقواها الحيّة والمتحمّسبن لها أن ذلك العجوز الثّمانيني سيقود حكومة في زمن الثّورة وسينتهي به المطاف إلى قصر قرطاج..
لا أحد يدري إلى اليوم من أرجعه إلى السّياسة بعد غيبة دامت عشرين عاما، فرضها عليه المخلوع بعد أن أسند إليه رئاسة مجلس النوّاب لمدّة سنة واحدة. قيل يومها أنّهم أخرجوه من الخابية. لم يعد لدينا مجال للشّكّ أنّ ذلك لم يكن صدفة، وإنّما كان من ترتيب الدّولة العميقة، لتدفع به إلى خلافة محمّد الغنّوشي الذي كانت حكومته تترنّح على وقع اعتصام القصبة.
سلّم الباجي رحمه اللْه السّلطة لخلفه حمّادي الجبالي لينصرف على عجل لتكوين حزب سياسي، كان مطلوبا منه أن يربك حكومة الترويكا تمهيدا لإجبارها على الخروج من الحكم. وفي إطار استعراض القوّة ذهب مع أذرع الدّولة العميقة التي شكّلت الثّورة المضادّة إلى اعتصام “الرزّ بالفاكية”.. اجتمع النّظام القديم (التّجمّع المنحل) والأقدم (بقايا البوزقيبيّة) وللرّئيس الرّاحل يد مع هؤلاء وأولائك، ولم يتخلّف اليسار الثّقافي عن الموعد انتقاما لنفسه من الفشل الذريع في انتخابات أكتوبر 2011. فالنّظام القديم يملك المال ومراكز النّفوذ والعلاقات العامّة إقليميّا ودوليّا، بينما يملك يسار التّجمّع وفرنسا قدرة فائقة على إشاعة الفوضى. واستطاع هذا المكوّن الأساسي للثٍورة المضادّة استمالة منظّمتين كبيرتبن، هما جزء لا يتجزّأ من الدّولة العميقة (الإتّحاد العام التّونسي للشّغل ومنظّمة الأعراف) وقد كوّنتا لاحقا مع عمادة المحامين والرّابطة التّونسيّة لحقوق الإنسان “الرّباعي الرّاعي للحمار الوطني”.
خلف مهدي جمعة حكومة على العريض بعد التّوقيع على دستور الثّورة والإتّفاق على خارطة طريق أفضت إلى انتخابات 2014 التي أعادت المرحوم الباجي إلى الحكم رئيسا للجمهوريّة خلفا للدّكتور محمّد المنصف المرزوقي وسيطر نداء تونس على رأسي السّلطة التّنفيذيّة وعلى السّلطة التّشريعيّة. ولكن جرت رياح السّياسة بما لا تشتهي الدّولة العميقة، حيث اشتعلت الحرب على المواقع بين قيادات الحزب، أدّت إلى تصدّعه وانشقاقه إلى أحزاب وكتل، لا تثبت على حال ككثبان الرّمال المتحرّكة…
لئن كان من السّهل على الدّولة العميقة أن تجتمع في انتخابات 2014 على شخص الباجي وحزبه، فإنّها اليوم تبدو منقسمة على نفسها بين شقوق النّداء وهي كثيرة. أمّا قناة نسمة صانعة النّداء ورئيسه فقد تجنّدت لخدمة مالكها وحزبه الجديد في ثاني أكبر عمليّة تحيّل على الشّعب التّونسي، شعارها “الدّعاية الذّاهبة إلى الشّقوق، القروي أولى بها”، وهو الذي لم يعرف عنه نضال ضدّ الإستبداد، ولم يتطلّع يوما إلى أن يكون معنيّا بمعارك الحرّيّة والدّيمقراطيّة”.
إمّالة علاش السّيّد أبو كرتونة عامل قناة ويعطي من فلوس غيرو باكوات المقرونة وعلب الطماطم.. ماهو باش ينتخبوه ويحكم جد والدين كل واحد خذا من عندو باكو مقرونة وكل وحدة تفرجت في مسلسل تركي مدبلج باللهجة التّونسيّة..