أحمد الغيلوفي
لا ننكر اننا ننقسم الان الى قسمين كبيرين: مناصري الثورة ومُناهضيها. تخلص القسم الاول من عقلية القاصر الذي يناشد والذي ينتظر منقذا واصبح يؤمن ان الضامن الاول للحريات هو مجموع المواطنين وجملة المؤسسات. اما الفريق الثاني فلم يغادر منزلة الرعية وسلوكها وايمانها بالراعي والزعيم.
يعود الخلاف بين الفريقين الى حدث تاريخي فاصل: 17 ديسمبر. حدث وُلِدَ فيه المواطن المسؤول والذي يؤمن بان ارادته هي من يُحدد الاحداث، بينما بقي الاخر يشاهد الاول ويتنظر ما ستؤول اليه الامور. خروج الاول للشارع وتعرٌضه للرصاص ووضع نفسه على حافّة الموت قد وَلّد داخله الارادة التي انتصرت على الخوف البشري الطبيعي من الموت. هذه الوضعية القصوى قتلت بداخله “الطفل” الذي ينتظر حامِ و وُلد الراشد الذي لا يثق في غير قراره الواعي والارادي. نستطيع ان نصف 17 ديسمبر على انها “طقس عبور” من الرعية المناشدة الى المواطنين الذين يختارون وينتخبون ويثورون. عندما تدفع الارادة بالفرد فيتجاوز الخوف من الموت تولد الارادة بوصفها المُحدد الوحيد للاحداث، فيولد المواطن بوصفه فاعلا اجتماعيا وسياسيا.
الفريق الثاني غاب عن طقس العبور فبقي ككهل لا يزال يعيش حاله الطفولة. لقد غلب عليهم الخوف او المصلحة او اللامبالاة فبقوا قاصرين ينتظرون الزعيم او الاب المنقذ. زمانيا ينتمي هؤلاء الي عقلية “الملك الراعي” وهي عقلية لاهوتية غيبية نجدها في فكرة المهدي المنتظر. وهي عقلية لا تؤمن بالمساواة بين البشر وانما ترى ان هناك افراد خارقين اصطفاهم الله لكي يقودوا الجماعة ويخرجونها من المحن. وقد يعود هذا الاعتقاد تاريخيا الى قيادة موسى لاصحابه واخراجهم من مصر وشقه للبحر. الانتخابات التي يمارسها هذا الكائن والحرية التي ينعم بها ويفتخر لم تكن الا نتيجة لمغامرة الاول وجسارته. اما هو فسيموت شيخا قاصرا يناشد وينتظر الاب المُخلِّص. واذا عرفنا ان الحداثة السياسة قامت حين نشأ الانسان المُريد عرفنا ان الاولين حداثيون رغم انفهم والمتأخرون لاهوتيون سلفيون مهما انكروا.