الخال عمار جماعي
التقييم الذّاتي هي العملية الأخطر على الإطلاق ! لأنّها تنهض على وعي بالمنزلة من خلال جرد حساب مع الذات ! وليس أخطر على هذه العملية من السقوط -بدعوى الثقة المفرطة- في أحكام معيارية انفعالية تنفخ في “المناطق” وأيضا في جلد للذات وإذلالها …
ما شهدناه هذه الأيام من تضخّم في الأنا التونسي والافراط في تقريظه والتمركز حوله يجعلنا أمام أكبر خدعة عاش عليها الشعب التونسي طيلة تاريخه… فنحن الشعب الأعلى ثقافة والمتجذّر في الديمقراطية والحداثي و”الهارب” بالشعوب الأخرى والمتقدمون في البروتوكول (في أتعس تعليق سمعته البارحة شكر المذيع للكفاءة البروتوكولية لتونس !) ونحن الشعب المتمدّن وصاحب الكفاءات والمحترم للمرأة وشعب الكرة المتقدمة والأكثر إقتدارا على التنظيم ونحن الشعب العريس النّفيس البوليس… فمن يكذّب هذ! ؟! و”جرّب كانك راجل قول غير هذا، قارن وضعك بالسيراليون وأحمد الله ؟!”… هذا الشعب مستعدّ للإستثمار حتى في “خراء القطط” ليشكر نفسه !
هذا الخطاب المهيمن على الاعلام وتصديق الناس له ولعب السياسيين عليه (الشعب التونسي الذكي !) هو ما أوصلنا إلى ما نحن فيه الآن ! وغطّى تماما على ما أخرجته الثورة من غثاء وطحالب ومجارٍ ومواسير وطرق خلفية وسقوطية وقلّة خير وفساد و”الوضع الراهن”… استعادة هذا الخطاب المتغنّج هو ما أفسد علينا لحظات الصدق والموضوعية القاسية التي نحتاجنا للمرحلة القادمة لننهض بشروط موضوعية !
لسنا شعبا عظيما لأنّنا -كما قال الشاعر أولاد أحمد- “لم نصوّت لأنفسنا في اللحظة الحاسمة”… لسنا شعبا عظيما كما أحبّه حشّاد لأننا جعلنا من النقابة غول خرافة… لسنا شعبا عظيما على ما حدثنا به الشابي لأنّنا “لم نكسر القيد” القديم وعاد لتكبيلنا من جديد… لسنا شعبا عظيما مثلما أراده الحدّاد في كتابه عن المرأة لأنّنا جعلناها “خزّانا انتخابيا”… لسنا شعبا عظيما مثلما صاغه المسعدي في “السدّ” لأننا أردناه سدّا بآلات غيرنا وبشروط مانحينا…
نحن شعب عادي في محيط عادي في سياق “غير عادي”… شعب الله المتشائل الذي يقول لك: “إذا سقطت من شبّاك” وتكسّرت كرايمك “فأحمد الله أنّ لك… شبّاكا” !
سلام يا شعب…
“الخال”