مقالات

تونس في خطر داهم التفاؤل لن ينفع في حواسم اللحظات

أبو يعرب المرزوقي

دون إطالة:
لا يوجد بلد عربي واحد يمكن للمرء فيه أن يقول “مات الملك يحيا الملك”. ما ينبغي أن يقال هو مات ملك مصنوع سابق فمن يا ترى سيكون الملك المصنوع الموالي؟ ومن الصانع؟
هل القديم أو صانع جديد. لست متفائلا بخلاف ما سمعته من أفواه بعض المعلقين في الجزيرة من نخبة تونس وسياسييها مثل كلامهم على أن المسار الديموقراطي ليس مهددا. إنه مهدد حقا. وتونس مهددة فعلا. وذلك بصورة واضحة المعالم.
فلننظر إلى خارطة القوى السياسية. لم يبق فيها إلا قوتان يمكن أن تحسم احداهما المعركة لصالح مواصلة المسار الديموقراطي والثانية لصالح الثورة المضادة. فتحقيق التوازن المطلوب ليس من جنس ما حاوله السبسي في انتخابات 2014 لأن هذا لم يبق ضروريا للصف الذي كان يمثله السبسي بل من يحتاج إليه هو صف الثورة. إنه الآن ضرورة لمن كانوا القوة الأولى لما قام السبسي بما قام به. لكنهم الآن مهددون بألا يبقوا قوة لا أولى ولا ثانية ولا حتى ثالثة. وقد تفقد الثورة السلطات الثلاث: الرئاسة والمجلس والقصبة.
فيمكن القول إن كل من كانوا يسعون لما لم يحققه السبسي جاءتهم الفرصة لتحقيق ما لاموه على عدم تحقيقه وتفضيله العمل بحكم الصندوق. فسعوا إلى الانفصال عنه واستطاع بوزنه وحنكته الصمود إلى أن جاء أجله. اليوم يمكنهم تحقيق أحلامهم إذا واصل صف الثورة النوم وما أراه إلا نائما إن صدقت ما سمعته من تفاؤل ساذج.
اعتقد وآمل أن أكون مخطئا. فنواة الجبهة الجديدة أعلنت عن نفسها حتى قبل وفاة المرحوم. إنها الاتحاد. فبعد السبسي يمكن للاتحاد أن يصبح نواة هذا الحلف التابع للثورة المضادة ولكن باسم الثورة مواصلة للخداع فيجمع من حوله كل الذين يعتبرون الفرصة قد جاءت لتحقيق ما لاموا المرحوم السبسي على عدم تحقيقه.
سيكون هذا الحلف جبهة النكوص دون كل مطالب الثورة خاصة والإقليم وحتى القوى الأجنبية لن يخذلوهم وقد يدفعونهم دفعا لتحقيق ذلك مع مواصلة استعمال ريتوريك الثورة لتنويم الشعب. ودون إطالة فإذا لم تتفق جبهة الثورة أيا كانت حساسيتها السياسية حول نواة صلبة عليهم أن يحددوها فلن يبقى لهم أدنى حظ في التصدي للثورة المضادة.
وأكاد أجزم أنـي لم أنتظر هذه اللحظة بل توقعتها ودعوت للاستعداد ولكن بالتعليقات المرة حول الوضع في تونس عامة وفي مواقف حركة النهضة وتفتت صف الأحزاب التي تسمي نفسها ديموقراطية أو حراكية إلخ… من الأسماء الرنانة.
فنحن الآن أمام لحظة بمعيار الخيارات الكبرى. وهي تبدو بصدد الحسم بصورة مماثلة لثلاث لحظات سابقة عاشتها تونس:
• لحظة الحسم بين بورقيبة والثعالبي.
• ولحظة الحسم بين بورقيبة وابن يوسف.
• ولحظة الحسم بين بلاط بورقيبة ومزالي.
اللحظة الحالية مماثلها لها ثلاثتها في ما أتوقعه من الحسم. فـمن سيعوض السبسي بمساندة الاتحاد هو الذي سيربح المعركة خاصة إذا تمكن من لحم الشقوق واستعادة وحدة النداء. ومن صدف التاريخ وجود جسر الوصل بين الاتحاد والنظام القديم بمرحلتيه: الرئيس الذي يخلف السبسي في المرحلة الانتقالية.
فتكون اللحظة الرابعة الحالية من نفس الطبيعة: قوى النظام القديم بحلف مع الاتحاد تفوت على تونس آخر خياراتـها الكبرى أعني المسار الديموقراطي. ولكن هذه المرة ليس بوصف الاتحاد رديفا للحزب بل العكس إذ هو سيكون القوة للثورة المضادة في تونس بذاته وبمن فيه من اليسار والقوميين والتجمعيين.
وإذن فإذا بقيت القوى السياسية التي تؤمن حقا بأهداف الثورة وبأصل كل هذه الأهداف أعني الديموقراطية فالمطلوب منها أن تسارع لتنظم صفوفها على الأقل لتحول دون فقدان الثورة السلط الثلاث في آن.
فالمعركة بينة المعالم ومن لا يراها ليس فاقدا للبصيرة فسحب بل هو فاقد حتى للبصر. وحينها فلنقرأ على المسار الديموقراطي السلام. وما أتوقعه هو حلف جديد بين رئيس الحكومة وكل شقوق النداء مع الجبهة حول الاتحاد قلب الرحى وذلك بالتوافق مع الثورة المضادة والقوى الأجنبية لإعادة النظر في كل ما حصل منذ بداية الثورة.
ويخطئ من يتصور أن المستهدف هو النهضة وحدها. فكل قوى الثورة من جميع التيارات مستهدفة خاصة وتشتتها يفقدها الوزن. وكما يعلم الكثير فإني كنت أحلم بل ودعوت إلى الصلح بين البورقيبية والثعالبية فلم أسمع. ودعوت إلى البحث في طرق توحيد الحركات ذات الميول الاجتماعية الديموقراطية مع الحركة الإسلامية التي لم تكن مستهدفة بسبب سياسي بل لعلة عقدية ونمط اجتماعي يراد فرضه سواء بالدخيل أو بالأصيل.
لكنـي أعتقد أن الفرصة قد حانت وآمل أن يكون الخطر الداهم والبين على الديموقراطية كافيا للتدارك على الأقل بصفة محدودة للخروج من مرحلة الخطر ثم فليعودوا إلى صدام الحضارات الداخلي الذي هو من الحماقات التي لا تليق بنخب تدعي الديموقراطية والحريات الفردية وحقوق الإنسان.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock