توفيق رمضان
مات الرئيس ودفن بعد جنازة تليق بمنصبه أهداها له الشعب العظيم صاحب السلطة. جنازة حرم منها بورقيبة بعدما حرم هو منها الباي. تونس بعد الثورة خير ذلك هو شعارنا الذي لا نمل من رفعه رغم كيد الكائدين ورغم قول السفهاء المسيطر عليهم الحنين إلى عهد «الأمن والأمان».
ما قام به شعب تونس العظيم مع رئيسه المنتخب ليس لأنه يؤلهه أو عرفانا له بجميل أو اعترافا وتثمينا لانجازاته بل هو الواجب قانونا وشرعا واحتراما للدولة ومؤسساتها في مناخ من الحريات لذلك قيل موتة في زمن الديمقراطية ولا حياة في زمن الاستبداد .مباشرة بعد وضع الرئيس في مثواه الاخير بل بعد التسليم من صلاة الجنازة برز إلينا أولائك الذين ظننا أن الثورة حررتهم وأعادت لهم كرامتهم ومنحتهم الأهلية التي افتقدوها عقودا، إلا أنهم يصرون إلحاحا على البقاء في الدونية وفي مرتبة القاصر، العاجز والخائف الذي لا حول له ولا قوة والغير قادر على تحليل المشهد واستشراف المستقبل بدون أب او زعيم ملهم أو قائد أعلى يفكر له، يحميه ويذود عنه ويخلصه من عناء التفكير والاجتهاد واعمال عقله العاطل. قلنا برز لنا هؤلاء مناشدين عبد الكريم الزبيدي الترشح للانتخابات الرئاسية ليكون ساكن قرطاج المستقبلي في إشارة واضحة إلى عدم تخلصهم وتحررهم من تلك الذهنية المعطبة التي ترى أن الحل لا يكون إلا وافدا من مصدر خارق وشخص ملهم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه و «ماكيفو حد».
لا احد ينكر على السيد عبد الكريم الزبيدي حقه في الترشح لكن ليس بمثل هذه الطريقة خاصة بعد القطيعة الديسمبرية التي شهدتها بلادنا مع كل الممارسات النوفمبرية التي أطلت من جديد لمجرد تنظيم محكم لجنازة أراده البعض تأشيرة لدخول قصر قرطاج لرجل قال ذات يوم في البرلمان في جلسة مساءلة «أنا لا أصلح للسياسة لأني لا أتقن الكذب».
تونس الثورة رفضت المناشدات وأطردت صانعيها وصائغيها لذلك لا تجعلوها تعود من رحم الجنازة التي كانت أبلغ رسالة لزبانية الاستبداد ومبيضيه بأننا أصحاب قلوب بيضاء وأياد ممدودة للبناء والتأسيس لثقافة وممارسة بديلتين.