نصر الدين السويلمي
كنت بصدد مقال طويل عريض حول أفضل وأبشع ما شهدته جنازة الرئيس الراحل، ولان الصحفي يتميز بالثقل في تنزيل الفكرة وإشباعها فيما يتميز الفنان بالرشاقة، يقفز فوق الخشبة ويجسد المشهد تلو المشهد في زمن قياسي، فقد سبقني الفنان بلقاسم البريكي وأفسد ما أضمرت، حين اختزل كل الفكرة في عبارة موجزة “الجيش نجح والتلفزة دوبلت” حينها تذكرت ان الفنانين إذا دخلوا مشهدا افسدوه وجعلوا اعزة اهله اذلة، فكان ان استعملت عبارته وجنحت الى الايجاز، واوكلت أمره الى الله.
لم يكن الجيش التونسي في حاجة الى جنازة كي يثبت نجاحه كما لم يكن الإعلام التونسي في حاجة الى نفس الجنازة كي يثبت فشله ويثبّت على نفسه وصفة العار، فالمحطات الكبرى المؤثرة يمكن ان تصلح لاختبار المتقارب المتواجد على نفس التماس، لكن ابدا لن تصلح للترجيح بين ثكنات رفضت غدر الشعب حين كانت هي نفسها تحت كلاكل بن علي، وبين منابر اعلامية مارست الغدر منذ نعومة أظافرها، رضعته واكلته وشربته، بل هو كوشها وغبرتها ودهانها وڤماطتها، وإن كان روي في الاثر ان بني قينقاع لا يڤمطون صبيانهم.
كانت تونس ومازالت الاستثناء، تبحث عن وصفة نادرة في اصقاع الارض فلا تجدها وحين تستسلم للياس يخبرونك انها في تونس الغرائب! وليس ذلك بالاطراء المنفوخ ولا بالمبالغة المضرجة بالعواطف، وإلّا فهي نخبر العالم من اوروبا الى امريكا الى سيبيرا الى مجاهل استراليا، هيا نسألهم عن الآلة التي قهرت الشعوب عبر التاريخ والآلة التي نفست عن الشعوب عبر التاريخ، سيقفون في صعيد واحد ويقولون في كلمة واحدة بشتى لغات العالم، ان العسكر هو الذي قهر الشعوب وان الاعلام بالكلمة والفكرة والصورة هو الذي نفس عن الشعوب وشكل ملاذها في ساعة العسرى، سنقولوا لهم تلك معادلة عالمية تاريخية، لكنها لا تسري على تونس، فتونس يا سادة تاجها العسكر وعارها الإعلام.. بلاد بتولها دبابة وعاهرتها تلفزة لهي جديرة باهتمام علم الاجتماع وعلم الاستماع!! استمعوا لها وأنصتوا فلديها ما تقول الكثير.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.