نقامر بكلّ شيء، إلاّ بسقف البيت الذي يجمعنا

عبد اللطيف علوي

قبل 25 جويلية 2019، كنّا نحتفل بعيد الجمهورية لما يزيد عن ستّين سنة، دون أن يكون لها وجود حقيقيّ.
كنّا نحتفل بعيد الجمهوريّة المفقودة أو المنشودة وليس الجمهوريّة الموجودة، بطريقة بروتوكوليّة عقيمة واستعراضيّة منافقة.
بالأمس ألغيت الاحتفالات بعيد الجمهوريّة بمناسبة موت الرّئيس، لكنّ الأكيد أنّ تونس قد احتفلت هذه السنة بعيد الجمهورية لأوّل مرّة في تاريخها، أعظم احتفال وأجمل احتفال…
احتفلت بانتصار المدنيّة على عقليّة لعق الأحذية الغليظة!
احتفلت بانتصار الجمهورية على مرتزقة الاستعمار وعرب المنشار.
احتفلت بوحدة شعبها وشجاعته ونضجه المدنيّ الذي لا نظير له في العالم العربيّ.
احتفلت بانتصار السّيادة والدستور وفلسفة العيش المشترك،
واحتفلت بانتصار الحياة على الموت!

رغم المناسبة الأليمة، ولعلّ الله جعل في هذا الاقتران بعيد الجمهورية حكمة عظيمة ومعنى ورمزا خالدا يجب أن يبقى لأجيال وأجيال:
رغم جلدنا الدّائم لأنفسنا واحتقارنا لذواتنا، هناك عقل تونسيّ وإبداع تونسيّ وحلم تونسيّ يراه الغرباء فينا ولا نراه، وكم نحن محتاجون إلى أن نراه في أنفسنا، كي نستمدّ منه الطّاقة والعزم والثبات على الاستمرار في طريق الثورة والحرية والكرامة إلى النهاية.
ارفع رأسك عاليا، فأنت التّونسيّ، وتكفيك فخامة الانتماء.

رحم الله عبده محمد الباجي قايد السبسي وغفر له، ورحمنا جميعا وغفر لنا.
كلّنا أموات نسعى. ولا كبير إلاّ الله، ولا مليك سواه، ولا عرش سوى عرشه، ولا حكم إلاّ حكمه.
ذهب الزّمان الّذي كان فيه مجرّد التفكير في موت الرئيس يشبه التفكير في موت العالم والحياة والكون بأسره!
تونس اليوم تحترم رؤساءها وزعماءها الشّرعيّين المنتخبين ولا تعبدهم…
تكتب تاريخهم بلا تزوير ولا تكفير لمن يخالفهم،
تزفّهم إلى سدّة الحكم بصناديق الانتخاب، وإلى مرقدهم الأخير بصناديق الشّرف الرسميّ لدولة مازلت تحثّ الخطى، وتتعلّم الحياة فوق الأشخاص وفوق الأحزاب وفوق الجراح وفوق النّكبات.
هكذا نحن التّونسيّين، نقامر بكلّ شيء، إلاّ بسقف البيت الذي يجمعنا.
الحمد لله الذي جعل هذا البلد آمنا، ورزق أهله الحكمة عند الشّدائد!
وبه نستعين.

#عبداللطيفعلوي

Exit mobile version