تدوينات تونسية

من باب المقارنة.. جنازة بورقيبة

الصادق الصغيري

شهادة الأستاذ محمد الحبيب براهم والي المنستير المباشر يومها حول ظروف وتقاصيل وفاة الرئيس الحبيب بورقيبة والاستيلاء على بدلاته وتحفه الخاصة ورفض التغطية الاعلاميّة لجنازته.
الشهادة نقلتها يومها على صدر جريدة الفجر عدد 129 الصادر بتاريخ 27 سبتمبر 2013.
أحسست أنّ صحّة الزعيم بدأت في التراجع مطلع شهر مارس 2000، ومن مظاهر ذلك عزوفه عن الأكل وكثرة الصمت والشرود والدخول في مرحلة ارتخاء تام، وبدأت أشعر أن العدّ التنازلي قد بدأ، وأفراد عائلته أحسوا بذلك هم أيضا. كنّا نجبره على الأكل، حُمل في 6 مارس إلى المستشفى العسكري بتونس أين تكفلت به مجموعة طبّية. دخل مرحلة السأم من الحياة. زاره الرئيس السابق زيارة استعراضيّة، وكانت الصور محرجة، بإظهار الزعيم في صورة سيئة ومثيرة للشفقة، كان الأجدر أن تكون الصورة أرقى، وفي مستوى الزعيم، والسؤال لماذا؟ لقد كان الرئيس السابق يعاني من مجموعة من العقد كان يمكن تجاوزها.
طلب بورقيبة العودة إلى المنستير، ومن تلك الفترة كانت العائلة محيطة به. فجر السادس من أفريل خاطبني الحبيب الابن بأنّ الرئيس يحتضر، كان القرآن يتلى بالإقامة والتشهّد على لسان الزعيم، ولم يكن فريدا ولا متروكا كما تمنّى بعضهم في الرئاسة. ومما يؤكد حسن العلاقة مع الابن أنّه راسلني بكلّ مودّة بعد الوفاة، وأذن لأحمد قلاّلة أن يعطينا كلّ الصور العائليّة لما وجد من انسجام بيننا. والحبيب الابن لم يرسل رسالة واحدة إلى أي طرف رسمي؛ لما في نفس العائلة من أسى وحسرة.
أعلنت الوفاة، وكان الحداد الرسمي لمدّة أسبوع، ومباشرة سمح بمشاركة أهالي المنستير، وحوّل الجثمان إلى بيته، حمل إلى دار الحزب بتونس، ثم أرجع إلى بيته صبيحة يوم 8 أفريل. خلال هذين اليومين ونحن نستعدّ لترتيب الجنازة بلغني أنّ أشياء متحفيّة بسيطة قد رفعت من قبل سيارات وحملت كل ما كان بالإقامة بما فيها بدلات بسيطة عاديّة. خاطبت بن ضياء فأكد أن المسألة إدارية بحتة، فلفتّ نظره إلى خطورة العمليّة وأنّ الجنازة لن تقع، وستنقلب إلى أجواء ثوريّة، فعادت السيارات وأعادت معها ما أخذت.
أين الإذاعة؟ أين التلفزة؟ أين البثّ المباشر؟
عندما توفّي الزعيم خاطبت الطرف المسؤول عن الإعلام وهو عبد الوهاب عبد الله وقلت له إن الإخوة في إذاعة المنستير في انتظار التعليمات لنقل تلفزي وإذاعي مباشر، فطمأنني. مرّ يومان واستدعيت مدير التلفزة لترتيب البثّ المباشر، وفي آخر لحظة وأنا أنتظر الفريق التلفزي، والمنستير تعجّ بالوفود الدوّلية على مستوى عال من التمثيل، جاءتني مكالمة هاتفيّة تفيد بأنّ هناك صعوبات فنّية ولا يمكن البثّ المباشر بتعلّة أنّ الطائرة المروحيّة لا يمكن أن تصوّر على انخفاض، وقد تقطع الخيوط. وهكذا منع النقل المباشر عن من أسس الإذاعة، ومرّ جثمانه من أمامها، وتمّت الجنازة في جوّ من كبت المشاعر وتفويت المصالحة الوطنيّة.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock