الثلاثاء 3 يونيو 2025
غادة بوعجاجة
غادة بوعجاجة

فلا تلعنوها رجاء..

غادة بوعجاجة

أن تكون طالبا تونسيا في الخارج ..  “تونس غادرتها و لم تغادرني” ..
تونس غادرتها منذ سنتين، غادرتها بعد أن أعياني القهر الذي عايشته في أسوار جامعتها، لعنت كل الظروف حينها وبحثت جاهدة عن منحة دراسية تخلصني من مستنقع الظلم وظلام النظام الجامعي التونسي..
وجدت نفسي في جامعه أوروبية، في مدينة تضم أكثر من 4500 طالب أجنبي من كل أصقاع العالم، أدرس العلاقات الدولية والعلوم السياسية.. 👩‍💻
يضع الأساتذة في أغلب المواد على عاتقنا مسؤولية التعريف ببلداننا في مختلف الميادين والمجالات..
فكيف لي أن أحدثهم عن ذلك البلد الذي أرهقته الصراعات والمشاكل فأرهق أبناءه؟ إليكم بعض الحكايا 🧕

لن أنسى شعور الفخر لحظة تقديم الدستور التونسي في مادة القانون الدستوري أمام زملائي، تواترت أمامي حينها كل صراعات المجلس التأسيسي وصور العناق عند المصادقة على الدستور..
لم استطع كبت دموع الاعتزاز عندما عرفت زملائي بالثورة التونسية في مادة العلوم السياسية، كان الحماس يذكرني بكل المظاهرات والاحتجاجات ودفء لحظات النصر في شتاء سنة 2011..
كان اختبار مادة “نظريات الديمقراطية” شفويا وكان المطلوب تحليل وضع الديمقراطية في بلدي استنادا الى بعض المؤشرات المدروسة لمدة خمس دقائق. أسهبت في الحديث ولم يقاطعني الأستاذ إلا ليقول: أنتم الطلبة التونسيون دائما الأفضل 🎓
قال لي: ما تشهده بلادكم من تحديات أمنية وسياسية هو جزء من مسار الانتقال الديمقراطي. حافظوا على ثورتكم وديمقراطيتكم فأنتم النقطة المضيئة في المنطقة. أعلم أنها جميلة جدا وسأزورها قريبا. أستاذي كان عضوا في أول برلمان مجري تشكل فور سقوط الاتحاد السوفياتي..
تونس غادرتها ولم تغادرني، هي حاضرة في كل تحركاتي لا يمل لساني التباهي بها والحديث عنها..
لن يفقه بعض أصدقائي طعم الثورة والحرية وهم المحرومون منها..
أحمد الله كثيرا كلما رأيت القهر في عيني صديقتي الصينية المسلمة عند حديثها عن الاضطهاد الذي تعيشه في بلدها بسبب عرقيتها، أو لحظات الخوف والحزن التي تنتاب أصدقائي من بلاروسيا عند الحديث عن ديكتاتورية بلادهم..
قصص وحكايا كثيرة من العالم كله أذهلتني لم اكن اعلمها، جعلتني أجزم أننا جديرون بالفرح والاعتزاز رغم كل “الظلمات” التي تعيشها تونس..
فلنحمد الله أن صراعاتنا تحوم حول المحافظة على الديمقراطية وأسس الثورة ولسنا نحارب ديكتاتورا متجبرا يزرع زبانيته في كل شبر ويسلبنا ابسط الحريات..
الثورة أرهقتنا فأعمت بصائرنا عن ادراك فضلها..
الثورة هي شعلة تنبض بداخلي مهما استعصى الطريق أمامي..
الثورة أصبحت فلسفتي وعقيدتي، أحياها في اليوم ألف مرة، الثورة أتنفسها في كل قرار أتخذه، عند كل صنم فكري اهدمه بمعاول الحرية..
الثورة نزعت عن قلبي غمامة الخوف..
بفضل الثورة اصبح لعلم تونس عندي معنى..
بفضل الثورة عشت لحظات اشعر بالفخر فيها عندما أقول أنا تونسية..
فلا تلعنوها رجاء، هي فقط كشفت آهاتنا وضعفنا وهناتنا، هي سلطت الضوء لتفضح ما تمت حياكته في ظلام سنوات الظلم الطويلة..
هي كشفت معادننا..
هي نحن..
هي كل عقل مزق الأغلال الصدئة حوله، هي كل لسان فك عقدته وصدح بالرفض ” لا “، هي كل فكرة صمدت في دجى الليل وتتلمس طريقها نحو النور..
هي كل حلم سكن الروح وأبى إلا أن يتحقق..

اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

عبد اللطيف علوي

لماذا نحن واثقون بأنّ الثّورة التّونسيّة لن تسقط ؟

عبد اللطيف علوي  لأنّه صار لدينا اليوم جيل كامل عاش الحرّيّة ولم يعش الاستبداد. منهم …

عبد-اللّطيف-درباله

كلّ الأشياء تأخذ وقتها..

عبد اللّطيف درباله لا شيء في الدنيا يحدث في لحظة.. أو بين ليلة وضحاها.. كلّ …

اترك تعليق