نور الدين الغيلوفي
نعم، اللماذا وحدها هنا تصلح للاستفهام عن مرض رئيس الجمهوريّة.. الكيف يطرحها الأطبّاء ويجيبون عنها، ولقد أجابوا عندما استقبلوا الرئيس بالمستشفى العسكري وعندما سمحوا له بالخروج بعد الاطمئنان على صحّته أو هكذا قيل لنا في صُوَر صامتة..
أمّا اللماذا فسؤال حيرة تزيد كثافةً حول وعكة رئيس الجمهورية في هذه اللحظة السياسيّة التي تمرّ بها البلاد.. وكلّما زاد يوم زادت حيرة التونسيين.. رئيسهم غائب منذ 5 جويلية لا يعلمون عن أمره شيئا، وبغيابه تتعطّل مهامّ موكولة إليه بحكم مسؤوليته التي لا يتولّاها غيره.. ومن ذلك ما ينتظره من ختم على تعديلات القانون الانتخابيّ التي صادق عليها البرلمان.
تعوّد العرب ألّا يمرض حكّامهم، وإذا مرضوا تداووا خارج أوطانهم التي يحكمونها لأنّهم لا يرضون في الغالب بمنجَزاتهم التي يصدّعون الرؤوس بها رغم إشادتهم بها كما لو كانت مددا من السماء، ولأنهم لا يثقون بالمداوين من المحكومين ويرتابون، بما كسبت أيديهم، بأقرب الأقربين…
حكّامنا لا يمرضون في بلدانهم ولا يموتون إلّا في آخر قصّة هم يكتبونها ويرتّبون وقائعها في أثناء حياتهم ولما بعدها.. أمّا رئيس بلادنا فقد قرّر، أو قُرّر له، أن يمرض الآن وأن يتداوى هنا ثمّ يختفي عن الأسماع والأنظار في غيبة صغرى تنذر بقيامة سياسية كبرى تهزّ البلاد في لحظة لا تقبل بعبث الرؤساء ولا بلهو بنيهم ولا بتدليس مستشاريهم، لا سيما في ما نحن فيه من تجاذبات تتعلّق بمشروع تنقيح القانون الانتخابيّ الذي رفعه البرلمان بعد مصادقته عليه إلى رئيس الجمهورية ولا يزال الختم عليه معلَّقا في ضوء ما نحن فيه من غياب للمحكمة الدستوريّة.
غير أنّ قصّة تغييب رئيس الجمهورية في هذه اللحظة لم تكن جيّدة الحبك ولا حسنة السبك إذ لم يستطع التوابع صمتا يجنّبهم ريبة الناس وتشكيك المراقبين.. فالمؤشرات التي تدلّ على أنّنا أمام مسرحية سياسية كثيرة:
1. واقعة لقاء السبسي الابن مع صاحب قناة نسمة نبيل القروي بعد خصومة كبرى بين الرجلين يعلمها كثير من التونسيين.. لقاء مصالح لا شك أنّ الجهات الخفية المستفيدة منه أكثر من الظاهرين على المسرح.. فمن الذي رتّب اللقاء في لحظة غيبة الرئيس؟
2. تصريح السبسي الابن الذي جاء فيه أنّ أقواله تتوافق مع مواقف 60 بالمائة من المستجوَبين في مختلف عمليات سبر الآراء الذين يرون أنّ القانون الانتخابيّ إقصائي وغير ديمقراطيّ.. إذن هو تغييب لأجل عدم الختم على مشروع القانون الذي صادق عليه نوّاب الشعب التونسيّ بالبرلمان.
3. تصريح مستشار الرئيس المدعوّ نور الدين بن تيشة الذي قال فيه: إنّ رئيس الدولة لم يختم القانون الأساسي المتعلّق بتنقيح قانون الانتخابات والاستفتاء الذي كان صادق عليه مجلس نواب الشعب يوم الثلاثاء 18 جوان لأنه “يرفض منطق الإقصاء ويرفض أن يمضيَ تعديلات “قدّت” على المقاس لجهات معينة”، مؤكدا أن الرئيس هو الحامي لدستور جانفي 2014 والضامن لإجراء انتخابات نزيهة وشفافة..
الرئيس هو الحامي ولكن هل الرئيس هو الذي رفض الختم؟ وهل ينطق المستشار من عند موقفه أم من عند رئيسه؟
الأيّام وحدها كفيلة بأن تجيب.