عبد اللطيف علوي
بعد إذنكم، لي رأي في مسألة ترشّح الغنّوشي، مادام هو حديث السّاعة. وسيبقى كذلك لأسابيع.
أنا مع قرار ترشيح الغنّوشي على طول الخطّ، لماذا؟
الّذين صدمهم ترشّحه هم أحد فريقين: فريق ينظر إليه بنوع من التّقديس كأنّه إله أو نصف إله، أو كائن مافوق بشريّ، لا يرضى له أن يخالط البشر في معترك البرلمان أو مؤسّسات الدّولة وتجرح هيبته وشيبته بعراك الآدميّين، يريدونه أن يبقى روحا سارية في معبد مونبليزير تخيّم بظلالها على النّهضاويّين ولا تغادر القلعة الحصينة كي لا تعلق بها شائبة من غبار.
الصّنف الثّاني هم الّذين يرونه شيطانا رجيما، مصدرا للشّرور كلّها أو هو الشّرّ متجسّما في إنسان، هم جماعة يا غنّوشي يا سفّاح يا قتّال الأرواح، وهؤلاء يعتقدون أنّ مجرّد دخوله إلى أروقة دولة بورقيبة هو الدّنس بعينه، وكلّ ما حدث قبل ذلك من دخول النّهضويّين إلى أجهزة الدّولة شيء، ودخول الغنّوشي شيء آخر، إنّه يحمل رمزيّة لا يستطيعون أن يتحمّلوها، رمزيّة الثّقل الكامل للحركة الإسلاميّة عدوّهم الوجوديّ منذ عقود.
ما الرّأي إذن؟
ترشيح الغنّوشي سوف يكسر هاتين الصّورتين في آن واحد، صورة القدّيس وصورة الدّنيس، وسيخرجه من مخيال الفاعل السياسي الهلاميّ الماورائيّ إلى حقيقته البشريّة العارية، بشر كالبشر يخالط النّاس ويتفاعل معهم ويناقشهم ويتجرّأ عليهم ويتجرّؤون عليه، وتلك هي السّياسة.
الأمر الآخر، أنّه على الثّورة التّونسيّة أن تكسر هذا الحاجز النّفسيّ في علاقة مع حالة الخوف من مشاركة الإسلاميّين (خاصّة بعد ما حدث لمرسي)، يجب التّعامل معهم جميعا كتوانسة لا يزيدون ولا ينقصون شيئا عن غيرهم، بما فيهم رمزهم الأكبر راشد الغنّوشي، حين نصل إلى هذه النّقطة، فهذا يعني أنّنا لم نعد نعيش ونتحرّك ونتصرّف في ظلّ شروط الخوف من ردّات الفعل الخارجيّة على هذه “الجريمة”، وبالتّالي نكون قد قطعنا خطوة أخرى في اتّجاه التّحرّر من قبضة الرّعب التي تلازمنا منذ ساندروم “رابعة” في مصر.
بقي أمر أخير:
أعتقد أنّ ترشّح الغنوشي للتّشريعية هو قطار يخفي قطارا آخر، لا أظنّه يطمع حتّى في رئاسة البرلمان وهو الذي يعرف ما فيه من تطييح قدر وتهشيم لصورة الزّعيم الملهم، أعتقد أنّ عينه على الرّئاسة وليس على البرلمان، لكنّه يريد أن يناول الشارع السياسي هذا الأمر جرعة جرعة، يقول لي شيطاني الصّغير إنّه سيقدّم ترشّحه لاحقا للرّئاسة مثلما فعل فريخة سنة 2014، ترشّح للاستحقاقين. لماذا يفعل الغنوشي ذلك؟
كي يعوّد الشارع السياسي على تقبّل فكرة دخوله إلى مؤسّسات الدّولة بالتّدريج، ويجسّ النّبض ويتعرّف على مختلف ردود الأفعال داخليّا وخارجيّا، ثمّ يكون هو مرشّح الحركة للرّئاسيّة المقبلة.
أنا ماليش دعوة! شيطاني هو الّذي يقول.
#عبداللطيفعلوي
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.