Site icon تدوينات

رؤوس أقلام من دفتر الانتماء

عبد القادر عبار

وقولوا للشيخ.. حُسْنا
1. على سطح بيت في ليلة صائفة.. كان ذلك منذ 40 سنة..
كانت فرحتي بالخبر الذي أسره لي احد الإخوة ذات يوم من صيف 79 لا توصف إذ قال لي: الليلة سآخذك معي إلى لقاء خاص يحضره الشيخ “ر”.. وكان مثل هذا الخبر في ذلك الزمن الدعوي البكر من أعظم ما يتحف به المنتظم حيث يشعر المنتمي انه محظوظ.. قادنا الأخ (م. ع) متنقلا بنا عبر أرصفة متعددة إلى مكان اللقاء.. رحب بنا المضيف ووجدنا البعض في الانتظار بقينا ما يقرب نصف الساعة في الصالة ونظرا لسخونة الطقس قيل لنا اصعدوا السطح.. ثم لم يمض على تحلقنا إلا قليلا حتى أقبل الشيخ.. تحدث عن الدعوة وواجبنا نحونا وعن المرحلة وخاصياتها ثم فتح باب الاستفسارات سأله احدهم عن الإخوان في السورية وانشقاق عصام العطار وسأله أخر عن “اللحية” فكان مما استشهد به على جواز حلقها بالمفكر الشهيد سيد قطب انه لم يكن ملتحيا ؟.. ثم قيل له -وأشاروا إليّ- هذا الأخ “ع.ع” قد أتم حفظ القران.. فثمن ذلك وعقب قائلا: هذا كسب للدعوة.. ونحتاج إلى مثل همته.. كانت تلك أول مرة يلتقي المريد فيها بالشيخ على المباشر.
2. لقد فسّر الآية تفسيرا عجبا
ومنذ 40 سنة كذلك.. قيل للناس ذات يوم ان الشيخ “ر” سيلقي درسا في جامع جارة /قابس اثر صلاة العصر.. يوم كانت الجوامع بلا كوابح ولا جواسيس.. فتقاطر الشباب من كل المعتمديات والجهات.. لان المناسبة نادرة وقد لا تتكرر.. فاض الجامع بالحاضرين والكل في شوق إلى ما سيلقيه الشيخ… تكلم عن بعض مشاهداته في سوريا وعن سوءات البعثيين.. وكان مما رفع قدر الشيخ الفكري والعلمي في نفسي حتى قلت في نفسي: فعلا هذا الرجل عنده ما يقول.. وذلك عندما فسر لنا قول سيدنا سليمان “رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي” قال الشيخ: هذه الآية شغلتني كثيرا فالأنبياء ليسوا أنانيين.. هم يحبون الخير للبشرية ويؤثرون على أنفسهم فكيف يسال سليمان ربه إن يخصه لوحده بهذا الدعاء وان لا يشاركه فيه احد بعده.. قال ثم اهتديت إلى تأويل لم أر أحدا أشار إليه وهو ان الملك الذي سأله سليمان هو هبة ربانية ليس فيه دخل للجهد البشري.. ولا للإنتاج العقلي وبالتالي أراد سليمان بقوله “لا ينبغي لأحد من بعدي” أن لا يتكل الإنسان على المعجزات والكرامات بل يفسح المجال للعقل البشري في البحث والتصنيع والتأمل والإبداع والإنتاج لبناء الحضارة.. كان هذا التأويل التدبري ألقراني البديع للشيخ مما رفع مقامه العلمي في عين المريد.
3. عام 91 أي منذ 28 عاما كنت قد كتبت ورقات في النقد الذاتي للحركة سميته “الناسخ والمنسوخ في سلوكنا الإسلامي.. وجهزته للنشر عبر المجلات الأسبوعية ليكون أكثر انتشارا وليطلع عليه اكبر عدد من القراء.. لتكون فائدته اكثر فأرسلته إلى مجلة “المجلة” الصادرة بلندن.. وكان حدسي انه سيحدث رجة ويخلف جدلا ولغطا وسجالا.. وبعد أسبوع وصلني رد من إدارة المجلة يقول أنهم يثمنون المحتوى وبودهم لو ينشر عبر صفحاتهم ولكنهم اعتذروا لي عن عدم النشر.. بسبب تعاقدهم مع الشيخ “ر ” اللاجئ يومها في لندن بعد أن بدؤوا في نشر سلسلة من سيرة الشيخ الخاصة والدعوية والحركية تحت عنوان “من أوراق الغنوشي”.. لقيت رواجا وذلك لطرافة شواهدها وثراء فصولها وفضل المريد أن يؤجل النشر لأنه ما كان له أن يقيس ورقاته بورقات الشيخ.. فان للسن لحقا.
4. للعلم ما تزال هذه الأوراق في النقد الذاتي الحركي راقدة في أرشيفي رقدة أهل الكهف.

Exit mobile version