عدالة الأقدار
سامي براهم
أبت الأقدار إلّا أن تحرمه شرف إنهاء حياته بموقف مشرّف يذكره به التّاريخ، يحترم فيه الدّستور والقوانين وإرادة المؤسسة التشريعيّة ومؤسّسة النظر في دستورية مشاريع القوانين والإرادة العامّة التي لم تزيّفها الصّدقات المسمومة والمهينة لكرامة المواطنين.
هذا ما يستحقّه، رغم خطورة ما أقدم عليه، فإنّه لائق به، تعاطف معه كلّ الشّعب التّونسي معارضوه قبل مناصريه في ما أصابه من وعكة حادّة، لكنّه قابل تعاطفهم بمواصلة نفس نهج الصّلف والتّلاعب والعبث بالمصلحة العامّة ووضع الدّولة ومسار التأسيس الدّيمقراطي برمّته في مأزق أو هكذا يتصوّر، كلّ ذلك من أجل مصلحة عائلويّة فئويّة ضيّقة، يُسقِط كلَّ ما بناه من صورة رجل الدّولة وسليل نضالاتها، وهذا ما يليق به، أن ينهي حياته مخالفا للقانون والدّستور وهو المستأمن على حمايته.
غير بعيد عنه رجل حكم أكثر من خمسين حولا نزّله أنصاره في أعلى مراتب التوقير والتقدير، ولا يزال يلاعب الأفاعي كما يسوّق مريدوه بانبهار، يغالب نساءً ورجالا خبرتهم المحن وضرّستهم الأيّام ونضّجتهم العذابات وسنيّ القمع والحصار، يتطلّعون إلى التدرّب على ممارسة الحريّة فيصطدمون بإرادة قهريّة للملهم المالك لخيوط الحقيقة والمعطى والموارد والمدجّج بجوقة المبرّراتيّة، نرجو أن لا ينهي حياته في صفّ الاستبداد بالرّآي وهو الذي طالما نظّر للحريّة وبشّر بدولة الشّعب فيلقى ربّه على ذلك.
وهذا من عدالة الأقدار، نسأل الله حسن الختام ومن أحبّه الله أحسن خاتمته.
“حِلّوا عن سمائنا” واتركونا نرمّم ما أفسده دهركم ونبني ما تبقّى من هذا الوطن.