في عتاب الشيخ.. وتصويب الإمام
عبد القادر عبار
وانتظار رجل يأتي من أقصى المدينة يسعى :
1. التصويب .. وعي مدني نتعلمه من ممارسة صلاة الجماعة.. فالمأموم مطالب بان يكون يقظا منتبها وواعيا بما يصدر من إمامه في قراءته وحركات صلاته وهو مدعوّ إلى تصويب شيخه الذي يأتم به إذا رأى منه ما يخل بصحة الصلاة سهوا أو زيادة أو نقصانا.. فيسبح له إعلاما وتنبيها وان لم ينفع التسبيح يجوز له أن يخاطبه بما يصلح الصلاة.. وهذا يؤهله عند خروجه من الجامع إلى حركة المجتمع أن يكون مواطنا صالحا يأمر وينهى، يعاتب ويصوب وتدريب له على ضرورة امتلاك ثقافة الوعي التنظيمي والسياسي بما يساعد ويساهم في إصلاح الحال حتى لا يكون مجرد رقم باهت في قائمة التنظيم أو المؤسسة او مجرد دابة اجتماعية تستهلاك وتجتر دون أن يكون لها اثر ولا يسمع لها ركز.
2. لعله من سذاجتنا الحركية وأميتنا الدعوية التي نشأنا عليها في الزمن الجميل زمن حسن الظن الساذج.. أننا لم نترب على المعاتبة والنقد والتناصح المنتج. وكأننا أخذنا من الطرقية الساذجة من حيث لا نشعر شعارها المعروف القائل: ينبغي على المريد أن يكون بين يدي شيخه كالميت بين يدي غسّاله.. وقياسا.. على المنتمي أن يكون بين يدي التنظيم كذلك لا ينقد ولا ينتقد.. لا يعترض ولا يصوب وليكن نصيبه بركة التنفيذ وأولى له أن يتهم نفسه من أن يتهم شيخه..
3. فقد كنا نرى وهذا من ضحالة فقهنا الدعوي وقصورنا التربوي أننا إخوة في الدين وأننا كلنا على نية حسنة وانه لا يمكن للأخ أن يصدر منه ما يمكن أن يكون غير شرعي ولا صواب..
وكانت للمركزي في قلوبنا هيبة وإجلال.. وعصمة.. وكان اللقاء الذي يروج له بان أحدا من المركزي قادم اليه.. يمتاز بشوق الحضور ولهفة الانتظار… فالمركزي له ثقله ووقاره.
4. ومن هنا نفهم سبب انزعاج البعض من بروز ظاهرة العتاب الحركي والنقد الحزبي منذ سنوات معدودات والتي بدأت تتضخم وتتمدد هذه الأيام وهم مشفقون من علانيتها ويرون فيها حالة مرضية يجب خنقها، لا صحية يجب ترشيدها.
5. والعتاب الذي لم يسلم منه حتى الأنبياء وهم المصطفون الأخيار. يجب أن لا يربكنا ولا يقلقنا ولا يحطمنا وان لا يفرقنا.. ويكفي أن نعلم أن القران اشتمل على أثنيْ عشر موقفا تعرض لهم الرسول وعاتبه الله عز وجل فيهم…
والعتاب منه المذموم ومنه الممدوح
6. في مدح العتاب قال بعض البلغاء:
العتاب حدائق المتحابين، وثمار المتوادين، والدليل على الضنِّ بالأخوَّة.
ويُقال: ظاهر العتاب خير من باطن الحقد، ومن لم يعاتب على الزَّلَّة، فليس بحافظ للخُلَّة.
وقال ابن المعتز: العتاب حياة المودة، وقيل: من كثر حقده، قَلَّ عتابه.
وفي ذم العتاب قال بعضهم: كثرة العتاب تُورِث الضغينة،.
وقال بعض الحكماء البلغاء: مثل العتاب مثل الدواء، يشفى مرض الصدور؛ فإذا استعمل لغير علة عارضة، وبلا حاجة ظاهرة، تحوَّل داء وصار موتًا.
7. ويبقى أن ندرك.. إن النهضة وهي تمثل حالة إنقاذ وطنية وعربية، أنها تعيش في بيئة “ناشيونال جيوغرافيك” سياسية.. تعج بأحزاب ذوات أنياب وتنظيمات ذوات مخالب مدعومة، ما خلقت إلا لتفترس وما أسست إلا لتفسد وتعطل أي حراك إصلاحي مرجعيته إسلامية.. وإعلام خبيث مدجج يرصد سوءاتها للتشهير والشماتة ولهذا فهي أحوج ما تكون إلى الرجلين الذين جاءا من أقصى المدينة يسعيان للنصح والدعم والرشاد..
😎 رجل يحتاجه موسى / الشيخ، ينصحه بالخروج خوفا عليه من مرتزقة قوى الشر الذين يأتمرون به ليقتلوه سياسيا.. “وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ”..
8. ورجل يحتاجه القوم / المريدون.. ينصحهم بالإتباع الواعي والمخلص للمنهج والالتزام بوحدة الصف حتى يسدوا أي ثغرة قد يستغلها المتربصون “وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ”
وفي انتظار مجيء الرجلين.. يبقى أن نؤمن بان العتاب والنقد والتصويب يجب لا يفسد للود والأخوة والمشروع.. قضية.