صيف الزّعيم

عبد اللطيف علوي

عام 87، من بين التّهم الكثيرة التي حوكم بها الشباب، تهمة ظريفة لطيفة سمحة تعمل ستّة وستّين كيف: “النّيل من كرامة رئيس الجمهوريّة”،
وأذكر أنّه في تفصيل الأحكام، التّهمة هذي وحدها كان حكمها عامين حبس و500 د خطيّة، الحبس وفهمناه، آما الخطيّة لليوم مازال ما فهمها حدّ: هل كانت لإجراء عمليّة ترقيع لكرامة سيادته كما ترقّع البكارة بعد أن يقع النيل منها أم ماذا ؟؟…
مع العلم أنّه لم تكن هناك جمهوريّة أصلا كي يتّهم الناس بالنّيل من كرامة رئيسها، كان هناك “طبل وإسطبل ونعاج” (والعبارة لأستاذي عبد المجيد بني عمر)
ومع العلم كذلك أنّو أوّل من كان يجب أن يحاكم بهذه التّهمة، هو الإعلام السّعيد وقتها، قناة الـ “أ ت ت”… الجماعة الزّمنيّة اللّي كيفي يتذكّروها قبل ما تولّي قناة تونس ضبعة… كان يجب أن يحاكم القائمون عليها ويعدموا على الخازوق، لأنّهم هم من جعلوا فخامته “تكركيرة” في تونس كاملة،..
كنّا نفتح التلفاز لنشاهد شريط الأنباء، أيّام محمد رؤوف يعيش وفتحية عدالة خنشة، وسهام ببّة عبد الصمد (كلها أسماء ثلاثية ما نعرفشي علاش) وتلك الكوكبة العظيمة المباركة من مقدّمي الأخبار والمذيعين والمذيعات… والطّبق الرئيسي اليومي في الأخبار كان بلا منازع أولمبياد الزعيم الخاصة في المسبح، أو على شاطئ المرسى،
ربع ساعة يومية وهو يعوم، ما يكفي ليطلّ على لمبادوزا، لكنه يعوم في نفس المكان… والكونفة حوله وزراء سيادة ومسؤولين كبار في الدولة وجنرالات وتشريفات… كلهم واقفين متهندمين بالكرافاتات يستنّاو في خروج فخامتو باش يصفّقوا ويهنّوا السّبّاح الأوّل بأولمبياده الخاصّة… ومنصور السّخيري شادّ البشكير والمنشفة وواقف يستنّى… والزّعيم يتبلحط بحركاته الثقيلة البلهاء العاجزة ورأسه المائل ونظراته التّائهة…
بعد ذلك يتشمّس مشوار واحنا مبهّمين قدّام التلفزة، ثمّ يعدّهولنا في مجلسه في القصر، وهو لا يفعل شيئا سوى الإشارة بأصابعه الخمسة في وجه من يحدّثه ومن يشاهده، مع بروز واضح ونفور وانحراف ملحوظ لإصبع الوسطى دائما يوجّهه نحو الشّعب.
سنواته الأخيرة لم يكن -رحمه الله- يفعل شيئا سوى أنّه يعوم، في النهار، ويشير إلينا بالوسطى في اللّيل…
لقد “هزّقوه” وكركروه ولم يتركوا له من كرامة، إلاّ، ربّما، كرامات بعض الأولياء الصّالحين..
ومن يعود لدراسة تلك الفترة، سيستنتج أنّ ذلك لم يكن عفويّا، وإنّما كان ضمن مسار كامل لتشليكه وتحطيم صورته وتجريده من تلك الهالة الأسطوريّة التي أحاط بها نفسه، تمهيدا للانقلاب عليه.

Exit mobile version