رادار زعيم كان في كرهبتي نا
الصادق الصغيري
لا يمكن للعم حسين ان يقول كلمتين دون ان يدخل فيهما جزء من تاريخ نضاله ضد المستعمر الفرنسي، فكلما ذكرت امامه منطقة من التراب الوطني الا وسارع برواية معركة حامية الوطيس خاضها بها مع فلول الجندرمة الفرنسية او حذثه عن معركة بها قريب له او صديق، واحيانا كثيرة يروي عم حسين رواية احد المعارك التي شارك فيها، فيقاطعه احد الجلوس الذي لا يخاف سطوته الادبية:
– ولكن الحادثة التي ترويها لا يمكن ان تكون حضرتها فانت صغير جدا يومها يا سي حسين.
– ما تقوله صحيح، كنت صغيرا ولكني كلفت من القيادة بان اوصل الى الثوار المؤونة والماء.
عم حسين الذي يشتغل خضارا يوقف عمليات الوزن لزبائنه ويحتفظ بالنبّ بيده اليمنى ليعيد الكثير من مشاهد اطلاق النار على الفرنسيين والخونة باكثر من واقعة، وكان دائما يخرج منها سالما لبراعته في الهجومات المباغة وبراعته في سرعة الانسحاب من ساحة المعركة. اخر المعارك التي خاضها عم حسين المقاوم وقتها والخضار بعدها هي معركة بنزرت التي دارت رحاها مطلع الستينات، وانه كان في طليعة الشباب الذين هاجموا الثكنات الفرنسية رغم قلة الامكانيات وقلة العتاد، ويتحمس عم حسين كما لو ان المعركة تدور الان، ويتلو الكثير من الاشعار الحماسية ويختمها: إذا الشعب يوما أراد الحياة ،،، فلا بدّ أن يستجيب القدر.
يحتفظ عم حسين بالكثير من النياشين وشهائد الاعتراف بدوره في المقاومة ودحر المستعمر وهو يعتز بها كثيرا، وهي دائما محل اهتمام ورعاية، واول ما يبدا بتنظيفه ونفض الغبار عنه عند فتح الدكان صباح كل يوم.
لعل هذه الروح الوطنية المفعمة بالكبرياء والطافحة بالثقة بالنفس هي التي جعلت عم حسين الخضار يتاثر شديد التاثر بجريمة الاعتداء الاسرائلي الغادر على حمام الشط سنة 1985، حتى انه لازم الفراش لايامات.
يروي اهل الحي الذين زاروه بالبيت سائلين عن احواله ومتمنين له الشفاء العاجل والتاسف لبقاء الدكان مغلقا ان عم حسين كان يردد امامهم وبعد ان يثني عليهم وعلى مكانته بينهم:
– لا يمكن للصهاينة ان يقوموا بهجومهم الغادر على تونس لو لم يكن لهم مساعدة قوية داخل البلاد تمدهم بادق التفاصيل عن تحركات ياسر عرفات ورفاقة بتونس، والا كيف علمت “اسرائيل” باجتماع كبار القادة الفلسطيين بحمام الشط.
ويرد عليه الحضور:
– وهو كذلك، الخونة اتعبونا عند مقارعة الفرنسيين وهاهم يتعبوننا الان بعد ان وقف بورقيبة مع ياسر عرفات.
عاد عم حسين الخضار الى دكانه بعد ايام من الغلق فقام بتنظيمه ورمي بقايا الخضر والغلال التي تعفنت نتيجة ارتفاع الحرارة في شهر اكتوبر. كما اتصل بسائق عربة النقل التي اقتناها منذ سنوات بما ادخر من اموال وساعده عليها احد ابنائه المهاجرين واتفق معه على الانطلاق فجرا الى سوق الجملة لجلب الخضر والغلال والحشائش.
تاخر عم حسين في الانطلاق في الوقت المناسب الى سوق الجملة رغم حضور سائق العربة باكرا، دفعه ذلك الى ان يطلب منه عند الانطلاق الاسراع قليلا حتى يتمكن من اتمام عمليات الشراء في الوقت المناسب. في احد المنعرجات ظهرت امامهما دورية مرور واشار احد الاعوان بيده على العربة بالتمهل والتوقف يمين الطريق. هدات العربة، انزل السائق بلور الشباك، اطل عليه العون طالبا الاوراق والاستعداد للامضاء على محضر مخالفة.
فتح عم حسين الباب ونزل بتؤدة واتجه نحو العون متسائلا عن نوعية المخالفة التي ارتكبت، فاجابه العون الذي انهمك في معاينة اوراق العربة من حيث اكتمالها وسلامة تواريخ صلوحيتها، ودون ان يلتف اليه:
– رادار ياحاج، رادار ما في بالكش الي سرعة محددة بـ 50
ما ان سمع عم حسين كلمة رادار، حتى اصبح كمن اصيب بمس من الجنون، فاحمرّ وجهه وانتفخت اوداجه وحدقت عيناه وردّ على العون وهو يرفع صوته:
– بالله سامحني ها الرادار متاعكم ما شاف كان كرهبة عمك حسين، اما ثمانية طيارات اسرائلية كاملة تردح على تونس وتتبختر في سماها ما شافهمش، هذا رادار انا ما نعترفش بيه واعمل الي يظهرك، وعندي حديث مع عرفك.
ثم عاد مسرعا الى مكانه بالعربة وامر السائق بالانطلاق على الفور، مرددا من حين الى اخر وبصوت عال وعلى طول الطريق المؤدية الى سوق الجملة:
– قلّوا رادار ،، رادار ما جاء زعيم كان في كرهبتني نا.