Site icon تدوينات

بالباب سوريّة

نور الدين الغيلوفي

نور الدين الغيلوفي

نور الدين الغيلوفي

– أبي هل سمعت رنين الجرس؟
– انظر مَن بالباب..
خرج الفتى متكاسلا مخافة لفح الهاجرة.. وسرعانما عاد يخبرني بأنّ عند الباب امرأتين سوريتين.. نساء الشام.. كنّا نعرف أصواتهنّ من المسلسلات تحكي جمالا قيل فيه ما جعله ينسخ كلّ جمال سواه حتّى بالغ بعضهم فقال قولته الشهيرة: من تزوّج ولم يتزوّج شاميّة فكأنّما مات أعزب.. نساء الشام هؤلاء صرن في طرقاتنا وعند بيبان مساجدنا وأبواب بيوتنا يستجدين رغيف خبز يسددن به جوع الصبيان بلهجة استولى عليها بعض لصوصنا ليحتالوا على إشفاقنا ويخطفوا حلمهنّ بالرغيف..
فتاتان من سوريا تقف إحداهما قبالة الباب على حافّة الطريق.. أمّا الأخرى فقد هدّها الإعياء وحملُ رضيع تركته يحبو ووضعت يديها على خدّيها فجلست كأنّها تحكي صورة الرصافي في أرملته المرضعة.. أثوابها رثّة والرجلُ حافية…
نحن أمّة تختزل صورتَها أرملةٌ مرضعة تجوب جغرافيا العرب من مشرقها إلى مغربها تعمّر أكثر من قرن لا يتبدّل لها حال كجلمود صخر غادره الزمن فلم يصبه بأثر.. أمّة قرّرت أن تخرج من الزمان…

كانت في كلّ جملة تدفع بعبارة “أخي” كأنها تجعل منها سدّا يمنع نوايا اقتحام عالَم حرّة جائعة تأكل من مدّ يدها ما دام في الأرض رحِم…
أربكني المشهد.. لم أجد كلاما يعبّر عن الوجع.. حوقلت كرّات عديدة وأنا أغالب دمعة غافلتني فطفرت كأنّها تنتقم من رجولة زائفة لا تعني شيئا في زمن متوحّش صارت فيه أوجاع الحرائر من أكسسوارات مشاهدنا الموجعة…
لا نزال نردّد فزعة المعتصم للصارخة “وامعتصماه” يحرّرها من غزاة الروم.. ونتذاكر بغلة عمر التي لم يسوّ لها الطريق.. ونتغنى بشهامة عنترة قبلهما “وأغضّ طرفي ما بدت لي جارتي”.. ولكنّنا نبيت متخَمين تهتزّ أعطافنا لمشاهد الإمتاع جدّا وهزلا وخاصرة الأمّة لا تشكو هجمة روم خلفهم روم بل حكّاما أقسموا جهد أيمانهم على بناء عروشهم من جماجم شعوبهم.. بل من رمادها.. وتطاولوا في البنيان…
أوجاع ولا إفاقة…
نحن أمّة لم يُجعل الموت لغيرها…

Exit mobile version